الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي

صفحة 567 - الجزء 2

  قلنا: قال {إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}، وهذا عالم.

  القائلون بجوازه فيما يخصه دون العكس: لعل حجتهم أنَّه إذا استفتى صار مطالباً بما يراه هو في الحادثة، بخلاف ما إذا كان فيما يخصه، فإنَّ دليل الجواز لم يفصل؛ إذ الظن حاصل بفتوى الغير كما سبق، هذا الذي لاح لي في وجه الفرق عند هؤلاء.

  والجواب: أنَّهم إنما سألوه عن حكم الحادثة، فإذا أجاب بقول مقلّده - بفتح اللام - فقد حصل المقصود بحصول الظن كما يقوله في الطرف الآخر، فلا وجه للفرق، وعن الطرف الآخر بما سبق، والله أعلم.

  القائلون بامتناعه فيما لا يفوت وقته دون ما يفوت قال: نخشى من ذهاب الوقت مع عدم تحصيل الاجتهاد ذهاب الواجب، فيرجع إلى قول العلماء ويلتحق في تلك الحالة بالجاهلين؛ لأنه جاهل للحكم قطعاً بخلاف ما لا يفوت وقته، فإنَّه لا يتصف بالجهل لتمكنه من النظر ورجوعه إلى قوله: أولى من رجوعه إلى قول الغير؛ إذ ظنه أرجح.

  قلنا: لم يتعبَّده الله مع بلوغه درجة الاجتهاد إلا بظنه، وهو متمكن من تحصيل الحكم بنظره، وكون الوقت مضيقاً لا يبيح له ترك ما تعبده الله به؛ إذ ليس ترك ما يفوت وقته بأولى من ترك ما تعبده الله به؛ إذ هما مستويان في الوجوب.

  احتج القائلون بجوازه إذا كان المقلد أعلم: بأن كونه أعلم طريق اجتهاد في الترجيح.

  قلنا: لا نسلم بل قصور نظر.

  القائلون بجواز تقليد الصحابة دون غيرهم: قال: قال ÷: «أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم».

  قلنا: هو للمقلد.

  قالوا: شاهدوا الوحي والتنزيل، ومواضع الخطاب وقرائن الأحوال، فلا يصدر القول عنهم إلا وهو حق، سيما مع ما يجب من تحسين الظن بهم.

  قلنا: يلزم أن قول كل واحد منهم هو حق لاشتراكهم في هذه الأوصاف، والمعلوم أنهم يختلفون، والشيء ونقيضه لا يكونان حقاً، سلمنا ذلك، فالظن الحاصل عن اجتهاده أقوى، والقائل بذلك في التابعي مع الصحابي، قال: له مزيد فضيلة، فقوي الظن بصحَّة قوله.