(فصل): في بيان من تقليده أولى
  فقال: آلله لقد عرفتم يا معشر النصارى أن محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم؛ ولئن فعلتم لتهلكن، فإن أبيتم إلا دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلدكم.
  فأتوا رسول الله وقد غدا محتضناً للحسين، آخذاً بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي خلفها، وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمنوا.
  فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبق على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
  فقالوا: يا أبا القاسم، رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرك على دينك، ونثبت على ديننا.
  قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا يكن لكم ما للمسلمين وعليكم ما عليهم، فأبوا.
  قال: فإني أناجزكم، قالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا ولا تخيفنا، ولا تردنا عن ديننا، على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة، ألف في صفر وألف في رجب، وثلاثين درعاً عارية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: «والذي نفس محمد بيده إنَّ الهلاك قد تدلى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتَّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حول الحول على النصارى كلهم حتَّى هلكوا».
  والمباهلة: الملاعنة، معناها نقول: بهلة الله على الكاذب منا ومنكم، والبهلة بالفتح والضم اللعنة، وبهله الله: لعنه وأبعده من رحمته، وأصل الابتهال هذا، ثُمَّ يستعمل في كل دعاء مجتهد فيه وإن لم يكن التعاناً.
[آية الإطعام من سورة هل أتى]
  (والإطعام) وهي قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ٨}[الإنسان: ٨]، فهذه نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين $، وذلك ما رواه الزمخشري في تفسيره عن ابن عباس، قال: (إن الحسن والحسين ® مرضا مرضاً فعادهما رسول الله ÷ في ناسٍ معه فقالوا: يا أبا الحسن، لو نذرت على ولدك، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما @ إن بريا مما بهما أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض علي ¥ من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصواع من شعير، وطحنت فاطمة ^ صاعاً وخبزت خمسة أقراص على عددهم، فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال: