فصل: [في بيان الحقيقة الشرعية]
  الصلاة، وكالمهم المحتاج إليه ما تصور الشرع من العبادات ينبغي أن يكون لها أسام معرفة، ولا يوجد ذلك في اللغة إلا لنوع تصرف فيه. انتهى.
  فيؤخذ له من هذه أنه يقولُ: أن الشرعيَّة واقعة بالنقل إلى معانٍ منقولة للمناسبة لا مخترعَة.
  فحاصل الخلاف على هذا: أن القائلين بالوقوع فريقان النقل اختراعاً والنقل للمناسبة، والقائلين بعدم الوقوع فرق، البقاء على المعنى اللغوي من غير زيادَة، والبقاء عليه مع زيادة، وكونها مجازات.
  وحاصله على ما في الكتاب وهو يؤخذ من كلام الإمام في المعيار بالنظر إلى الجزم بوقوع الحقيقة الشرعيَّة أو بعدمه أن في ذلك قولين: الوقوع وعدمه.
  واختلف القائلون بعدم الوقوع على ثلاثة أقوال:
  الأول: أنها باقية على وضعها اللغوي لم يرد فيها.
  الثاني: أنها باقية مجازات، ثُمَّ اشتهرت حتَّى صارت حقائق عرفيَّة.
  والثالث: أنها مجازات في المعنى الشرعي.
  (وتوقف الآمدي(١)) في وقوعها وعدمه لتعارض الأدلة.
  لنا: أن قولنا صلاة وزكاة وصوم وغيرها لم تكن مستعملة في أصل اللغة لهذه المعاني الشرعيَّة، ثُمَّ صارت أسماء لها حتَّى لا يفهم عند إطلاقها سواها، وهكذا القول في الأسماء الدينيَّة كقولنا: كافر ومسلم ومؤمن فإنها مفيدة غير ما كانت لها في اللغة وفي هذا دلالة على النقل، ألا ترى أن المؤمن في أصل الوضع المصدق وهو الآن فاعل العبادات المخصُوصَة؛ لأنها الدين المعتبَر، قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}[البينة: ٥]، وذلك للمذكور من العبادات وغيرها، لكن اكتفى بها لأنها الأساس، والدين المعتبر هو الإسلام، قال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}[آل عمران: ١٩]، والإسلام هو الإيمان؛ لأنه لو كان غير الإيمان لم يقبل من متبعه، قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ}[آل عمران: ٨٥]، ولكنه يقبل إجماعاً، فثبت أن الإيمان هو العبادات وهو المطلوب.
(١) الآمدي: هو أبو الحسن علي بن علي بن محمد بن سالم التغلبي، سيف الدين الآمدي، من مشاهير علماء الشافعية، ولد سنة (٥٥١) هـ، من مؤلفاته في الأصول الإحكام في أصول الأحكام ومنتهى السؤل في علم الأصول، وفي علم الكلام غاية المرام وتوفي سنة (٦٣١) هـ.