(فصل): اختلف بماذا يقع التقليد؟
  أحدها: وهو المختار عند المصنّف أنه يلزمه (و) بعد أن يصير مقلداً لإمامٍ (يحرم انتقاله) عن مذهب إمامه (مطلقاً) سواء كان تقليده في حكم أو أحكام أو في جملة المذهب، (إلا) أن ينتقل (لترجيح من قلده) فإنه يجوز له الانتقال حينئذ، (أو ترجيح نفسه) يعني أو يحصل له ترجيح لما انتقل إليه بدليل، فإنه يجب عليه الإنتقال حينئذ إلى ذلك الراجح، (بعد استيفاء طرق الحكم) الذي ينظر فيه وهي الأدلة عليه أو الأمارات، حتَّى لا يغيب شيء مما يحتج به عليه، فمتى استوفاها اجتهد فيها ورجح ما رجح، وأنَّه حينئذ يجوز له الانتقال إلى ما ترجح عنده كما يجوز للمجتهد ترك الاجتهاد الأول لترجيح خلافه، (أو عند انكشاف نقصان) العالم الذي قد عمل بقوله عن درجة الاجتهاد أو كمال العدالة، فإنَّ ذلك يجوِّز الخروج عن تقليده بل يوجبه، وما فعله قبل الترجيح أو حصول النقص المذكورين، فقد صح وأجزاه.
  قال صاحب الأثمار: إلا أن ينكشف أن العالم الأول فاسق من ابتداء إجتهاده، وكان قوله مخالفاً لما يقوله أهل زمانه، فإنَّ اجتهاده لا حكم له، بل وجوده كعدمه، فيجب على مقلده أن يتدارك ما عمل فيه بقوله بالقضاء وغيره.
  (فأمَّا) الإنتقال من مذهب المجتهد العدل (إلى) مذهب مجتهدٍ (أعلم) من الأوَّل (أو أفضل) منه (ففيه تردد) يحتمل الجواز لزوال العلة المقتضية تحريم الانتقال إلى قول مثله وهي عدم الترجيح؛ لأنه قد حصل الترجيح بالأعلمية والأورعية، من حيث أن الظن بصحة قول الأعلم والأورع أقوى، لزيادة معرفة الأورع بطرق الحكم، ولزيادة تحري الأورع حتَّى لا يصدر الحكم إلا بعد بذل جهده في تصحيحه، فيعرف الجواز كما لو ترجح خلاف الطريقة الأولى في نظر المجتهد، وهذا هو الظاهر من كلام صاحب الجوهرة، بل ربما يقضي كلامه بوجوبه؛ لأنه أوجب في ابتداء التقليد تحري الأعلم ثُمَّ الأورع، والعلة التي وجب لأجلها ثابتة مستمرة بعد التزام قول الأقل علماً على حد وجودها قبله، وهذا يقتضي جواز الإنتقال إلى مذهب أهل البيت $ عن مذهب غيرهم، وإن كان أعلم لأجل النصوص الواردة بأمان متبعهم.
  ويحتمل أن ذلك لا يجوز مع كمال الأول كما لا يجوز للمجتهد العدول إلى قول من هو أعلم منه إذا خالف اجتهاده، فلم تكن الأعلمية مسوغة للإنتقال، إلا أنه يمكن الفرق بأن يقال: إن