الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  احتج المجيزون مطلقاً: بتصويب المجتهدين، فهو منتقل من صوابٍ إلى صوابٍ، ومثل ذلك لا ينتقد ولا يعاب، وكذا لو قلنا بتخطئة البعض إذ المصلحة تتعلق باتباع من شاء، سواء قلنا بالتصويب أو بتخطئة البعض، كما قد علمت.
  وأيضاً: فإن التحريم حكم شرعي ورفع للجواز الأصلي، فلا بد له من دليل والأصل عدمه.
  قلنا: قولكم إن المصلحة تتعلق باتباع من شاء، سواء قلنا بالتصويب أو بتخطئة البعض، مسلم، لكنه يؤدي إلى المروق من الدين، والتهور في الرذائل، وحصول المحال في تتبع الشهوات، ورفض العزائم، وذلك باطل، فكذا ما أدَّى إليه، هكذا أجاب به المهدي.
  وقد يقال: أمَّا أوَّلاً: فإنه يلزمكم ذلك فإنكم تقولون به حيث لا التزام.
  وأمَّا ثانيا: وهو التحقيق، فلأنَّا لا نريد بالتنقل إلا حيث لا يكون لمجرد التشهي بل لغرض مما ينبغي أن يُقصَد فلا يلزم ذلك.
  احتج من قال أنه يجوز في علماء العترة: بأنَّهم السفينة، والمتنقل من ركن إلى ركنٍ ناجٍ، لقوله ÷: «مثل أهل بيتي ..) الحديث.
  ورد كلامه المهدي بالإجماع على خلافه.
  (فإن فسق) المجتهد (رفضه) من قلده، أي ترك تقليده واتباعه، (فيما يعقب الفسق) من اجتهاداته وأقواله، لاختلال أحد شرطي التقليد وهي العدالة، وإنما قال المؤلف (فقط) إشارة إلى أنه لا يرفض تقليده فيما سبق الفسق، إلا أنه لا ينبغي له الاعتزاء إليه بعد فسقه، بل إلى موافقه من العلماء فيما قلده، فإن كان الحكم الذي قلده فيه قبل فسقه مخالفاً لما يقوله مجتهدوا زمانه جميعاً وجب على مقلده أن ينتقل بعد فسقه فيما قلده إلى قول الجماعة؛ لأن خلاف هذا المجتهد قد ارتفع بفسقه فصار الحكم إجماعياً.
  قيل: فإن تاب بعد فسقه ولم يعلم المقلد بالفسق إلا بعد التوبة وجب عليه البقاء على تقليده، وكذا لو علم فرفضه فلم ينتقل إلى مذهب غيره حتَّى تاب فإنَّه لا حكم للرفض حتَّى يلتزم، (وإذا رجع) ذلك المجتهد (عن اجتهاده) الأول في مسألة إلى خلافه (فلا حكم لرجوعه) إذا رجع (فيما قد نفد) أي فيما قد فعله هو أو المقلد له إذا قد نفذ، (ولا ثمرة له مستدامة كالحج) ومثل التيمم إلى الرسغين لو فعله وصلى به ثُمَّ أحدث وتغير اجتهاده أنه إلى المرفقين فإنهما حكمان لا ثمرة لهما مستدامَة أي لا يتكرر،