فصل: [في بيان الحقيقة الشرعية]
  احتج الباقلاني: بأنَّه لو نقلها الشارع إلى غير معانيها الأصليَّة لفهمها المكلف؛ لأنه مكلف بما تضمنه، والفهم شرط التكليف، ولو فهمها إياه لنقل إلينا؛ لأنا مكلفون مثلهم، ولا تواتر وإلا لما وقع النزاع، والآحاد لا يفيد العلم.
  قلنا: إنها فهمت لهم، ولنا بالترديد بالقرائن، كالأطفال يتعلمون اللغات من غير أن يصرح معهم بوضع اللفظ للمعنى لامتناعه بالنسبة إلى من لا يعلم شيئاً من الألفاظ، وهذا طريق قطعي لا ينكر.
  واحتج الذين أنكروا الدينيَّة: بقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا}[التغابن: ٩]، والعطف يقتضي المغايرة.
  قلنا: لا يمتنع أن يراد هنا بالإيمان التصديق بقرينة العطف ولتوسيع الدائرة في هذه الصورة مواضع أخر.
  احتج الإمام ومن وافقه: بأن معانيها الأصليَّة باقية لم تنقل، ألا ترى أن الصلاة اسم للدعاء، وهو باقٍ في الصلاة الشرعيَّة، وكذلك الصوم للإمساك وهو باقٍ للإمساك عن المفطرات فلا جرم إن دلت على المعنيين.
  قلنا: المصلي لا يقصد الدعاء في أذكارها، ومع ذلك فهو فاعل صلاة بلا خلاف.
  واحتج الرازي: بأن إفادة هذه الألفاظ لهذه لو لم تكن لغويَّة لما كان القرآن كله عربياً، وفساد اللازم يدل على فساد الملزوم.
  وأما الملازمة: فلأن هذه الألفاظ مذكورة في القرآن، فلو لم تكن إفادته لهذه المعاني عربيَّة لزم أن لا يكون القرآن كله عربياً.
  وأمَّا فساد اللازم: فلقوله {قُرْآنًا عَرَبِيًّا}[يوسف: ٢].
  قلنا: لا نسلم أنها إذا استعملت في غير معانيها اللغويَّة أنها لا تكون عربية؛ لأنها بوضع الشارع لها وهو عربي.
  أو نقول: سلمنا أنها غير عربية، فهذه الألفاظ قليلة جداً، فلا يلزم خروج القرآن بسببهاً عن كونها عربياً، فإن الثوب الأسود لا يمنع إطلاق الثوب الأسود عليه؛ لوجود شعرات بيض، والشعر الفارسي يسمى فارسياً وإن وجدت فيه كلمات كثيرة عربيَّة، سلمنَا ذلك، لكن لا يلزَم خروج كلية القرآن عن كونه عربياً.
  وأمَّا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ٢}[يوسف: ٢].