الباب الرابع عشر باب الاجتهاد والتقليد وصفه المفتي والمستفتي
  واختار الإمام شرف الدين: أن فيما لم يفعله وعليه قضاؤه يعمل بالإجتهاد الثاني لا فيما فعله وله ثمرة مستدامة؛ لأن المجتهد لم يبرم الأول بخلاف الثاني، وقد أشار في اللمع إلى مثل ذلك فيما لم يفعله وعليه قضاؤه.
  وقال البيضاوي: إن تغير اجتهاد المقلَّد - بفتح اللام - بعد قضاء القاضي بمقتضى الإجتهاد الأول وهو صحة النكاح فلا يجوز نقضه بالإجتهاد الثاني، بل يستمر على نكاحه لتأكُّده بالحكم، وإن تغير قبل حكم الحاكم بالصحة وجب عليه مفارقتها؛ لأنه يظن الآن أن اجتهاد مقلَّده الأوَّل خطأ والعمل بالظن واجب.
  (والعامي) على ثلاثة أنواع: عامي مقلد، وعامي مستفتٍ، وعامي لا مقلّد لعدم النية ولا مستفتٍ لعدم السؤال، وهو (الذي لا يستند في الأحكام الشرعية إلى قول مجتهد معين لا استفتاء ولا تقليداً) لعدم حقيقتهما المتقدمة فيه، (بل) يستند (إلى جملة الإسلام حكمه حكم المجتهد) إذ لم يسمع من السلف والخلف إنكار ذلك عليهم وإلزامهم أن لا يعملوا بحكمٍ شرعي إلا عن قول من عرفوه بالاجتهاد والعدالة، فكان إجماعاً.
  وقوله (على الأصح) إشارة إلى قول بعضهم من أن حكم العوام حكم مذهب علمائهم في التحليل والتحريم والطهارات وجميع الأحكام، وكلام المصنف في حواشي الهداية أن مذهبهم مذهب إمام ذلك القطر، قال: والظاهر أن مذهب عوام أهل كل قطر مذهب إمام ذلك القطر فمذهب عوام الزيدية باليمن مذهب الهادي #، وبالجيل مذهب الناصر، وهذان القولان لم يشهد لهما دليل، فلا ينبغي عليهما التعويل، فيكون العامي كالمجتهد (في العبادات والمعاملات).
  وقال الإمام (الهادي والناصر: والناسي) لشيء مما طريقه الإجتهاد كالمضمضة إذا ذكرها بعد خروج الوقت، (كالجاهل) في عدم وجوب قضاء الصلاة، بجامع عدم عرفان الحكم، فهنا أصل وهو الجاهل، وفرع وهو الناسي، وعلة وهي عدم معرفة الشيء، وحكم وهو عدم قضاء ذلك الشيء، لا أنه (كالعامد) فيجب عليه قضاء الصلاة بعد خروج الوقت، (خلافاً لأحد قولي م بالله و) خلافاً (للشافعي) فزعما أنه كالعامد بجامع معرفة الحكم قبل السهو والنسيان، ليس كالجهل لظهور الفرق بينهما من حيث أن النسيان ضربان: شيء يوجب في حال عدم عرفان الحكم، والجهل عدم عرفانه رأساً.
  وحاصل مذهبهم تعارض قياسين فيرجع إلى الترجيح في ذات بينهما، هذا كلامه.