(فصل): [في عدم لزوم المقلد طلب الناسخ والمخصص]
  حاصلين في النصوص الصادرة عنه، بل متى روى العارف بمذهب ذلك العالم قولاً في تلك الحادثة لم يلزم المقلد أن يسأل ذلك الراوي هل لهذا القول ناسخ أو لهذا العموم مخصص من نصوصه؛ إذ لو كان ثَمَّ ناسخ أو مخصص لم يفت الناقل العارف بذلك العامي إلا بهما إذ لا يجوز خلافه، فهذه القرينة كافية، فثبت أنه لا يلزم المقلد الآخذ عن المجتهد أو عمن أخذ عنه أن يطلب الناسخ والمخصص المجوَّزين، (بخلاف المجتهد) فإنه يلزمه طلبهما إذا وجد إطلاقاً أو عموماً من كتاب الله أوسنة رسوله ÷، أو إجماع الأمَّة، أو لا يقطع بمقتضاهما حتَّى يرتفع ذلك التجويز بأن يبحث الآثار والأخبار حتَّى يغلب في ظنه فقد الناسخ والمخصص فيحكم، والفرق بين المجتهد والمقلد في هذا ما قدمنا من قلة التخصيصات في عمومات المجتهدين وكثرتها في كلام الشارع، وكذلك النسخ كثير جداً، فلم يحسن من المجتهد العمل بالعموم حتَّى يبحث عن الناسخ والمخصص.
  والمقلد (إذا صح له خلاف نصه) أي نصّ المجتهد الأول (اتبع الظن الأقوى) في العمل بأيهما (وطلب الرجحان) لأنهما (عند التعادل) فيهما بأي وجوه الترجيح، (ويعمل) المقلد (بأحد القولين) المتصادمين في حكمٍ واحدٍ المستويين في النقل عن المجتهد؛ لأن الظاهر أن الآخر رجوع عن الأول فأشبه الناسخ والمخصص وبالناظر إلى المجتهد (فأقوى الاحتمالين) يعمل به كما يعمل بآخر القولين، وذلك نحو أن يصدر عنه كلامان يؤخذ من مفهوم أحدهما حكم ومن مفهوم الآخر نقيض ذلك الحكم، فإن الواجب اعتماد أقوى المفهومين نحو: أن يكون أحدهما مفهوم صفة والآخر مفهوم شرط فإن مفهوم الشرط أقوى.
  (فإن التبس) الآخر من القولين والأقوى من الاحتمالين بأن يكونا صفتين معاً أو شرطين معاً، أعني الاحتمالين (فالمختار) من أقوال العلماء (رفضهما) أي رفض القولين والاحتمالين ويصير المجتهد بمنزلة من لم يصدر عنه في ذلك قول أصلاً، فيلزم بذلك تقليده في ترك الحكم (والرجوع) في حكم تلك الحادثة التي تعارض فيها قولاه أو احتمالاه، (إلى غيره) من العلماء، (كما لو لم يجد) المقلد (له) أي لإمامه الذي قد التزم مذهبه جملة (نصاً ولا احتمالاً ظاهراً) في بعض الحوادث فإن فرضه حينئذ الرجوع إلى غيره اتفاقاً، فكذلك إذا تعارض قولاه في حكم، فإنهما يبطلان قياساً على الأمارتين إذا تعارضتا من كل وجهٍ، فإن المختار كما سيأتي إن شاء الله تعالى وجوب اطراحهما والتماس غيرهما، فإن لم يوجد رجع إلى العقل.