(فصل): [في المجتهد إذا وجد له قولان في مسألة]
  فإن قيل: إذا كان الأوَّل لا يعمل به فلم استعمل العلماء تدريسه وتدوينه في الكتب وحفظه، والعملُ عليه لا يجوز.
  قلنا: الغرض التعريف بما كان فيه من القولين وأنه مما للإجتهاد فيه مسرح، ولكن إذا قال به قائل أداه اجتهاده إليه لم يقل أنه قال بمالم يقل به أحد، وصار الحال في ذلك كالحال في تلاوة المنسوخ حكمه من القرآن، وإن كان العمل على الحكم الذي قضا به المنسوخ لا يجوز.
  فإن قيل: الأحكام للهادي متأخر والمنتخب متقدم، وقد يُصحح بعض أقوال المنتخب على الأحكام فيلزم من ذلك العمل بالأوَّل.
  قلنا: صُحح بالنظر إلى رجحان الأدلة ولم يصحح للمذهب بل صحح المصحح لنفسه، وقيل: بل صححوه للمذهب وفي أصول الهادي # ما يقتضيه، فيكون ما صحح له خلاف نصه.
  (وكذلك المسألتان المتناظرتان) أي التي أحدهما نظيرة للأخرى، وحكم في أحدهما بالثبوت وفي الأخرى بالنفي، (ولم يظهر) بينما (فرق) لم يصح ذلك إلا في وقتين، وكان القول الثاني رجوعاً عن الأوَّل، كما إذا اشتبه طعام طاهر بطعام متنجس، فجوزنا الإجتهاد في أخذ أحدهما، ولم نجوز ذلك فيما إذا اشتبه ثوب طاهر بثوب متنجس، بخلاف ما إذا ظهر الفرق، كما لو لم يجوز الاجتهاد عند اشتباه ماء ببول ونحو ذلك مما ليس الأصل في كلتيهما الطهارة، فإنه لا يكون رجوعاً، هذا إذا عرف الترتب.
  (وإن جهل حُكيا) أي القولان (عنه ولم يحكم عليه بالرجوع إلى أحدهما بعينه) أو لا يعرف المتقدم منهما من المتأخر فيكون الحكم بالرجوع إلى أحدهما دون الآخر تخميناً وإنه باطل.
  (وقول الشافعي في سبع عشرة مسألة فيها قولان أراد لي فيها قولان) مخرج على وجوه:
  الأوَّل: أنه (بناء على التخيير عند التعادل) وضعف الرازي هذا الاحتمال.
  الثاني: (أو) يكون مراده تقدم (لي فيها قولان في وقتين) فيحكي قوليه.
  الثالث: (أو) يكون مراده (فيها للعلماء قولان) فقال بعضهم بهذا، وقال بعضهم بهذا فيحكي قولهم.
  الرابع: (أو) يكون مراده (كل مسألة منها عليها أمارتان مختلفتان يصح أن يتمسك بكل واحدة منهما مجتهد).