الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[في أقسام الحظر والإباحة]

صفحة 599 - الجزء 2

  الضار، ووجه النظر فيه أن نقول: الصدق إنما حسُن لكونه صدقاً لأنه يدور مع حسنه وجوداً وعدماً، فلهذا كان مؤثراً فيه، (ثُمَّ هو) أي الحسن (أربعة أقسام):

  الأوَّل: (واجب: وهو ما يستحق المدح على فعله والذم على تركه) وقد تقدم الكلام على هذا الحد، وذلك (كقضاء الدين وشكر المنعم ورد الوديعة) فإنها واجبات عقلية يستحق عليها ما ذكر.

  (و) الثاني: (مندوب: وهو ما يستحق المدح على فعله ولا يستحق الذم على تركه) وقد تقدم الكلام على الحدّ، وذلك (كالإحسان) ابتداء (ومكارم الأخلاق) من الإبشاش بالقادم والتأدب ونحو ذلك، فإنها مندوبة يمدح عليها ولا يذم على تركها.

  (و) الثالث: (مكروه: وهو ما يستحق المدح على تركه)، وذلك (كسوء الأخلاق)، قال المهدي: وهو كتقطيب الوجه ونحو ذلك مما لا يذم بفعله ويمدح بتركه، وكان على المصنف زيادة الآخر لصدق الحد على القبيح.

  (وقيل): المكروه (لا يثبت عقلاً) بل ليس إلا محظور وواجب ومندوب ومباح، فأمَّا شرعاً فيثبت لأن ما استكرهه العقل استقبحه، وأمَّا عدم قبح المكروه الشرعي فمستفاد من الشرع، (و) المكروه (من الحسن) لعدم وجدان حقيقة القبيح فيه، وقوله (على الأصح) إشارة إلى قول بعضهم أنه من القبيح. وفي الحواشي واختاره الفقيه مطهر ¦، وهو قوي في القبيح العقلي لا الشرعي، (وتسميته مكروهاً مجازاً) لأن النهي عنه ليس حقيقياً أي ليس نهياً يقترن به الوعيد والكراهة؛ لأنه حسن وكراهة الحسن قبيح، لكنه لما أشبه القبيح في أنه يستحق بتركه الثواب سمي مكروهاً.

  (و) الرابع: (مباح: وهو ما لا يستحق عليه واحد منهما) أي المدح والذم ولا يريده الله ولا يكرهه.

  وقال الفقيه عبد الله بن زيد: بل يريده الله، وهو فاسد؛ إذ لو أراده لكان محباً⁣(⁣١) لأن نفعله وكان مندوباً أو واجباً، وهذا في المباح الدنيوي.

  واختلف الشيخان في المباح الأخروي: فقال أبو علي: لا يريده، وقال أبو هاشم: يريده، والصحيح قول أبي هاشم؛ لأن الله يريد تنعم أهل الجنة بالمباح، وذلك (كالتمشي في البراري، والتظلل تحت


(١) قد يقال: لا نسلم، بل قد يريده الله ولا يحبه بل مبيح له كالأكل والشرب، فإنهم قد نصوا على أن الأمر للإباحة، وكذلك الواجب المخير، أيها فعل فقد أجزاه على الإختيار، فليتأمل. تمت. من هامش النسخة (أ).