الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الخامس عشر من أبواب الكتاب باب الحظر والاباحة

صفحة 601 - الجزء 2

  في الحواشي فإن قلت: كيف يقول الأشعري ومن معه بالوقف ومن أصولهم أن العقل لا يقضي بحسن ولا قبح.

  قلت: هذه الرواية رواها عنهم أصحابهم كشارح المنهاج وغيره، وكذا حكاها الإمام يحيى القسطاس نقلاً من كتبهم.

  وتحقيق الجواب: أنهم تنزلوا فقالوا: لو قضى العقل بحسن أو قبح لم يسلم في مسألتين إحداهما: شكر المنعم، والثانية: حكم الأشياء قبل الشرع، بل الواجب فيها الوقف، فاعرف ذلك، فإنه نفيس جداً، وقد ذكر في المنتهى أن الوقف للمعتزلة وليس بصحيح.

  وإذا عرفت ذلك، فالحجة لنا على صحة ما قاله أئمتنا: أن تناول الفاكهة منفعة خالية عن أمارات المفسدة؛ لأن المنفعة فيها معلومة، وخلوها عن المفاسد أيضاً، فإنه لا ضرر فيها على أحد فيحسن الانتفاع بها؛ لأن ما حسن إلا لكونه منفعة خالية عن أمارات المفسدة تدور معها وجوداً وعدماً، فلذلك كانت علة فيها، وهذه الأمور حاصلة في مسألتنا، لفرضنا المسألة في شيء لا يكون للعقل فيه تصرف بإيجابٍ أو تحريم.

  وأيضاً فالله خلق هذه الطعوم في الأجسام مع إمكان ألا يخلقها فيها فلا يخلو:

  إمَّا أن يخلقها لغرض أو لا:

  الثاني: محال لاستحالة العبث على الله.

  والأوَّل: إما أن يكون عائداً إلى الله أو إلى غيره.

  الأوَّل: محال؛ إذ لا غرض يعقل في حقه.

  فتعين الثاني، وهو لا يخلو حاله: إمَّا أن يكون للإضرار أو الانتفاع أو لا أيهما.

  الثاني: باطل للعبث، والأول من القسمين: باطل، لاستحالته في حقه، فإذا بطلت هذه الأقسام لم يبق إلا أن يكون خلقها من جهة الانتفاع، وذلك لا يكون إلا بأحد وجوه ثلاثة:

  إمَّا بأن يدركها، وإمَّا أن يستدل بها، وإما بأن يخفيها، وفي كل منها إباحة إدراكها، وفيه من النفع مالا يخفى وفيه حصول غرضنا.