الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): في ذكر هل العقل يحسن ويقبح أو لا؟

صفحة 603 - الجزء 2

  (والثاني: بمعنى كونه صفة كمال كالعلم) والصدق النافع، (وصفة نقص كالجهل) والكذب الذي لم تدع إليه ضرورة، ولذلك قال المخالف: إرسال الكذابين قبيح فما ثبت في الأقوال ثبت في الأفعال؛ إذ لا فرق يتضح بينهما، وإنما حمله على عدم تجويز الكذب على الله خوف الكفر، وإنما الأقوال نوع من الإيمان، وقد أجمعت الأمَّة على دخول الأقوال في الأعمال، وفي الصحيح «إن أفضل العمل شهادة أن لا إله إلا الله».

  وقال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة: إنه لا تردد في دخول الأقوال في حديث الأعمال بالنيات، وأمثال ذلك كثيرة جداً، هذا في اللغة والنص والإجماع، وأما العقل فلا ريب في تساويهما في ذلك، فما بالهم أوجبوا صيانة الأقوال الربانية عن النقائص، وأمَّا في الأفعال الربانية فحكموا بجواز العكس للحكم كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، والصواب صيانة أفعاله كأقواله من الإهمال، بل إهمال الأفعال في الحكمة أضر وأقبح من إهمال الأقوال، ولهذا فن آخر.

  (و) إذا عرفت هذا فاعلم أنه إنما (اختلف في حسن الشيء وقبحه باعتبار ثالث: وهو كونه متعلقاً للمدح عاجلاً والثواب آجلاً، و) متعلق (الذم عاجلاً والعقاب آجلاً، فعند أئمتنا والمعتزلة وغيرهم) من سائر الفرق كالإمامية (أنهما عقليان بذلك) الاعتبار المتقدم (أيضاً؛ إذ لا وجه بحسن الشيء وقبحه؛ إلا وقوعه على وجهٍ) من الوجوه المقتضية لحسنه دائماً، إمَّا كونه نفعاً أو دفع ضرر، وقبحه كذلك، إما كونه ظلماً كما نقول فيه إن وجه قبحه كونه كذلك، أو كونه كذباً كما نقول في الكذب قبح لكونه كذباً، أو غير ذلك كاعتقاد الجهل قبح لكونه جهلاً، والعبث لكونه عارياً عن غرض مثله.

  وفي الحواشي: قال الفقيه مطهر |: وحقيقة الوجه الذي يقع عليه الفعل فيكشف عن الوجوب أو الندب أو الحظر أو الإباحة أو الكراهة، هو ما لأجله يكون وجود المقدور من ذاته راجحاً على عدمه، أو أرجح، أو راجحاً استمرار عدمه أو أرجح، أو مستوي الأمرين:

  فالأول: التفضل في حق الباري تعالى والمندوب في حق المكلف.

  والثاني: الواجب مطلقاً، والثالث: المكروه، والرابع: المحظور، والخامس: المباح، وهو جيد في تفسير هذا المعنى.

  نعم، وكلام المؤلف في ضمن الاستدلال وفيه نظر؛ إذ هو موضع النزاع فيحتاج إلى الدلالة عليه فنقول: