الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الخامس عشر من أبواب الكتاب باب الحظر والاباحة

صفحة 605 - الجزء 2

  قلنا: لم تقبح السجدة التي للشيطان للإرادة، بل لكونها مفسدة، وإن كانت لا تصير مفسدة إلا بالقصد والإرادة، وأيضاً فالإرادة قبيحة فيلزم أن يفتقر قبحها إلى إرادة فيلزم التسلسل، وأنه محال.

  وإلى قول الأشعرية: أنه إنما قبح للنهي عنه والقبائح كلها شرعية، وسيأتي ذكر شبههم والجواب عنها إن شاء الله تعالى.

  وإلى قول البغدادية وبعض الإماميَّة والفقهاء: أنَّ القبيح إنما قبح لعينه وذاته؛ لأنه قد ثبت أن الجهل قبيح لا يختلف الحال فيه ليس ذلك إلا لقبح عينه، فكذلك غيره من القبائح.

  قلنا: هو معارض بالسجدة فإنها قد تكون حسنَة وقبيحة كما تقدم، فلو كان قبحها لذلك لوجب أن لا يختلف الحال فيها لحصول علة القبح وهي العين.

  وإلى قول بعض المجبرة: أنه إنما قبح لأن الفاعل مربوب.

  قلنا: يلزم أن يفعل الله تعالى نحو الكذب؛ لأنه غير مربوبٍ فلا وثوق بخبره، وذلك كفر شرعاً، لردهم ما علم من الدين ضرورة.

  وإلى قول الأخشدية أيضاً: أن الحسن إنما حسن للإرادة.

  وإلى قول البغدادية وموافقيهم والمجبرة: أنه إنما حسن لإباحة الشرع في حق العبد، قالت الأشعرية: ولانتفاء النهي في حق الله، وقال بعض المجبرة: بل لكونه تعالى رباً في حقه.

  (و) حسن الشيء وقبحه (قد يستقل العقل بإدراكه):

  (إمَّا بالضرورة: كحسن شكر المنعم وقبح الظلم) فإنا نعلم بالضرورة حصول العلم بحسن شكر المنعم وقبح الظلم والكذب والجهل، لكونهما حسناً وظلماً وكذباً وجهلاً للعوام، ولمن كان مهملاً لطرائق النظر والتفكر فإنهم قاطعون بهذه الأحكام، بل نقول إنها حاصلة للمراهقين، فإنا نعلم من حالهم التمييز بين من أحسن إليهم وأساء، وبين من شكر وكفر، وبحدوث تفرقة ضرورية بين من أعطى أحدهم لقمة وبين من رجمهم بآجُرَّة.

  وأيضاً لو لم يكن معرفة ما ذكر ضرورية لجوزنا في بعض الأماكن أن قوماً في بعض الأصقاع لا يفرقون بين من ظلمهم وأنصفهم، ولا بين من آلمهم بضروب الآلام وأكرمهم، وأن من اصطلم أموالهم وذبح أولادهم واستحيا نساءهم كمن مكنهم من النفائس والرغائب وأعطاهم وخولهم.