الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب الخامس عشر من أبواب الكتاب باب الحظر والاباحة

صفحة 607 - الجزء 2

  عن أم عيسى، وهذا في الكذب، وفي الصدق كذم نعيم على صدقه في قوله: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ}⁣[آل عمران: ١٧٣]، وفي قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ}⁣[النساء: ٨٣]، فإنه قد نهى عن ذلك، ولو كان صدقاً، وكما في النميمة وإن كانت صدقاً، وعلى ظواهر إطلاقات أصحابنا من أن الكذب قبيح لذاته، وكذا الصدق حسن لذاته أنه لا يجوز الكذب مهما وجدت المعاريض، وإلا فقد قيل: إنه قبيح معفو عنه، وقيل: إنَّ الكاذب - والحال ذلك - في حكم من سبقه لسانه إلى كلام من غير قصدٍ إلى إفادة المخاطب؛ لأن الحامل له على الدفع فيما إذا كذب لإخفاء مؤمن أبلغ من الحامل على الإخبار، فإذا ألجئ إلى الإخبار لهيبة الظالم، فهو كالملجئ إلى الكذب لما يجد في نفسه من الألم على المؤمن فيكون كمن سبقه لسانه إلى الكذب فلا يقبح.

  (وقد لا يستقل) العقل (بإدراكه كالمحسنات والمقبحات الشرعية)، وذلك (كحسن الصلاة ونحوها) الصيام والزكاة وغيرها (وقبح الزنا ونحوه) من سائر أنواع الفواحش، فهذه الأمور لا قوة للعقل على العلم بشيء منها، وإنما طريق العلم بها الشرع لا غير.

  ألا ترى أنَّ العقل لا قوة له على حسن صوم الآخر من رمضان وقبح صوم اليوم الذي بعده، وهكذا القول في قبح بيع درهم بدرهمين، وحسن بيع درهم بدينارين.

  وفي قول المصنف: وقبح الزنا الخ: إشارة إلى استرجاح مذهب البصرية من أن قبح الزنا لا يعلم إلا بالشرع؛ لأنه لذة متعرية عن وجوه القبيح العقلية وهي الظلمية والكذبية ونحوهما مما يستقل العقل بإدركه، فكان حسناً حتَّى يعرض ما يوجب قبحه لكن ما حسنه العقل فلا طريق إلى قبحه إلا الشرع؛ لأن العقل وإن قضى بأن كون الفعل مفسدة وجه يقتضي القبح فلا سبيل له إلى معرفة كون بعض الأفعال مفسدة، وإنما يعلم من جهة الله تعالى؛ لأنه يعلم خصائص الأفعال وملزوماتها.

  وقد ادعى أبو القاسم أن قبحه عقلي، لما يؤدي إليه من اختلاط الإنساب، وقطع المواريث، وعدم التمييز بين الغريب والحبيب، والوضيع والرفيع، وفي ذلك مفاسد ومضار، ولذا تراه محرماً في كل شرع.

  قلنا: الزنا من الأفعال التي ليست فيها نسبة متعلقة بالغير كالجهل والكذب، وفيه غرض صحيح فليس بعبث، فلو قبح لما قبح إلا لكون فيه ضرر، ومعلوم أنه لا ضرر فيه، فقد حل فيه غرض، وعرى عن سائر وجوه القبح، وهذا هو حد الحسن.

  وقال (جمهور الأشعرية: بل) حُسْنُ الشيء وقبحُه (شرعيان بذلك) أي بالاعتبار الثالث.