الباب الخامس عشر من أبواب الكتاب باب الحظر والاباحة
  مستدلين أولاً على مذهبهم: بأنَّه قد ثبت أن الله تعالى يحسن منه إهلاك عباده بالإماتة والغرق والهدم، ومثل هذا قبيح منا، فلو قبح القبيح لوقوعه على وجهٍ لم يختلف الحال، فدل على أنه يقبح منا لأجل النهي وكوننا مملوكين على قاعدة النجارية.
  قلنا: لم نقل إن القبيح قبح لصورته حتَّى يلزم ما ذكرتم، بل قلنا: قبح لوجه وقع عليه نحو: كونه ظلماً أو نحو ذلك، وفي مسألتنا الواقع منا ظلم؛ لأنه ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر ولا استحقاق، فقبح منا لحصول القبح، وليس كذلك الباري، فإن ذلك منه عدل وحكمة لما فيه من اللطف لبعض المكلفين؛ ولأن الهلاك على الوجه المذكور يعطيه الله من العوض ما لو علم به قبل نزول ما نزل به من ذلك لاختار أن يهلك بالغرق والهدم، فافترقت الحال.
  وثانياً: بأنه لو كان الصدق والكذب عقليين لما اختلفا؛ لأن العقلية لا تختلف، واللازم باطل.
  بيان ذلك: أن الكذب يحسن لإنقاذ نبي والصدق يقبح لعكسه، فدل على أنهما شرعيان؛ لأن الشرعيات تختلف، وهذه أعظم حججهم.
  قلنا: لم يتغيرا عن حالهما، بل هما على ما هما عليه، إنما تعارض قبيحان أحدهما أكبر قبحاً من الآخر، وهما إهلاك النبي والكذب، وقبح الكذب أهون، على أنه إذا أمكن التخلص بالتعريض فهو أحسن.
  (قالوا: ولو سلم على) سبيل (التنزل) أي على الافتراض وسمي بذلك؛ لأن فيه تكليف الانتقال من المذهب الحق الذي هو أعلى رتبة إلى المذهب الباطل الذي هو في غاية الإنخفاظ (أنهما) أي الحسن والقبح (عقليان لم يسلم في مسالتين):
  (الأولى: وجوب شكر المنعم) لأن النعم عند الله حقيرة لسعة ملكه، فيكون كمن تصدق عليه الملك الذي يملك البلاد شرقاً وغرباً، ويعم البلاد وهباً ونهباً، بلقمة خبز، فطفق يذكرها في المجامع، ويشكر عليها بتحريك أنملته دائماً لأجله، فإنه يُعد استهزاء منه بالملك، فكذا هاهنا، بل اللقمة بالنسبة إلى الملك وما يملك أكثر مما أنعم الله به عليه على العبد، وشكر العبد بفعله أقل قدراً في جنب نعم الله تعالى من شكر الفقير الملك بتحريك إصبعه.
  قال المصنف: (وهو جحد للضرورة) فلا يستحقون جواباً كالسوفسطائية، وذلك لما قدمناه من بيان كونها ضرورية.