الباب الخامس عشر من أبواب الكتاب باب الحظر والاباحة
  ولأن أردنا الجواب قلنا: اللقمة حقيرة عندهُمَا، أعني المنعم والمنعم عليه بها، بخلاف نعم الله فإنها وإن كانت عند الله حقيرة لسعة ملكه فهي جليلة عند الشاكر والسامع، فيكون الحال في ذلك كملك قد ملك الأرض وجبالاً من الذهب أعطى بدرة عين فهي عنده حقيرة وعند المنعم عليه جليلة.
  (والثانية: مسألة حكم الأشياء قبل ورود الشرع) [ظاهر العبارة مشكل فإن الأشياء تعم مسألة التنزل وغيرها، فلا بد أن يقال: والثانية: حكم أفعال العقلاء، فيما لا يقضي في العقل بحسن أو قبح، كما صرح به ابن الحاجب في قوله: الثانية: لا حكم فيما لا يقضي العقل فيه بحسن ولا قبح](١)، (فلا يدرك العقل فيها بمخصوصها جهة حسن أو قبح)، [أي لا يحكم فيها بحكم خاص تفصيلي في فعل فُعِلَ، أي لا يحكم على الإجمال أنها محرمة عند الشارع، وإن لم يظهر الشرع ولم يبعث النبي، كذا حرره السعد](٢).
  قالوا: لأنه تصرف في ملك الغير بغير أذن المالك وقبح ذلك معلوم.
  قلنا: ذلك فيمن يلحقه ضرر ما بالتصرف في ملكه، ولذلك لا يقبح النظر في مرآة الغير والاستظلال بجداره، والاصطلاء بناره كما قدرناه، والمالك فيما نحن فيه منزه عن الضرر.
  وأيضاً فالتمكين من أملاكه مع خلق العقل المميز للقبيح والحسن إذن، كالممكن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك، قال الله تعالى {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ٨} أي بما ركب فيها من العقول ولم يفصل.
  قالوا: فأما بالنظر إلى غيرها بعد ورود الشرع فيدرك فيها جهة حسن أو قبح. قالوا: وقد دل الشرع على إباحة المنافع، فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا}[البقرة: ٣٠]، ووجه الدلالة: أن الباري تعالى أخبر أن جميع المخلوقات الأرضية للعباد؛ لأن ما موضوعه للعموم لا سيما وقد أكدت بقوله جميعاً، واللام في لكم يفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، ألا ترى أنك إذا قلت الثوب لزيد، فإن معناه أنه مختص بنفعه، وحينئذ فيلزم من ذلك أن يكون الانتفاع بجميع المخلوقات مأذوناً فيه شرعاً، وهو المدعى، فقد أدرك العقل إباحة ذلك لا بخصوصيَّة، بل مع ورود الشرع بذلك.
  قالوا: وأما قبل ورود الشرع فليس حكمها ما ذكرتم من الإباحة (وإنما حكمها الوقف كما تقدم) شرحه وتحقيقه.
(١) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ)، ورمز له بأنه صحيح من الأصل.
(٢) ما بين القوسين زيادة من هامش النسخة (أ)، ورمز له بأنه صحيح من الأصل.