(فصل): النافي للحكم هل عليه أن يقيم الدليل على انتفائه أو لا؟.
  (و) إذا قلنا: النافي للحكم الشرعي مطالبٌ بالدليل، فالنافي له شرعي هل يجوز له الاستدلال بالقياس، قد (اختلف في الاستدلال عليه) أي النفي الأصلي (بقياس العلة) أما الطارئ كالسواد إذا عدم بعد وجوده فلا بد له من سبب اتفاقاً، وهو طرو ضده.
  (فجوزه ابن الحاجب وغيره) من العلماء إذا كان الجامع عدم الشرط أو وجود مانع لا باعث، فإن عدم الحكم لا يكون الباعث بل يكفي عدم الباعث على الحكم.
  (ومنعه الإمام) يحيى (وغيره) من العلماء، وحجته: أنه إذا قال أصحابنا والشافعي: الأكل والشرب في نهار رمضان لا يوجبان الكفارة كان حاصل الكلام إنكار دعوى أبي حنيفة تغير الأكل والشرب عما كانا عليه في الأصل، فلهذا كانت الدلالة متوجهة عليه في إظهار تغيره عما كان عليه بالنَّص أو الإجماع أو بغيرهما من الأدلة، فإذا قلنا: إنهما غير موجبين كان بقاء على حكم الأصل، فلهذا لم يفتقر إلى دلالة، وهكذا إذا قلنا: عدم العالم وانتفاؤه في أوقات الأزل وأوقات مالم يزل إلى وقت وجوده غير معلل بأمرٍ فإنه غير مفتقر إلى سبب؛ لأنه باق على حكم الأصل وهو الانتفاء، فإذا وجد فلا بد له من سببٍ وهو الداعية والقدرة جميعاً.
  لا يقال السبب في العدم هو عدم إرادة الوجود، والسبب في الوجود هو وجود الداعية والقدرة، فقد صار كل من العدم والوجود معلل بأمر وجودي.
  لأنا نقول: عدم إرادة الوجود ليس علة في العدم، بل هو باق على حكم الأصل، ولهذا فإنا لو قدرنا عدم الإرادة والمريد لكان العدم مستمراً، فلهذا لم يكن معللاً بما ذكرت، بخلاف الوجود الذي أحلناه على الداعية والقدرة، فإنا لو قدرنا عدم الصانع وداعيته وقدرته، فإنه لا يمكن وجوده بحال. انتهى كلام الإمام.
  وابن الحاجب جعل هذه المسألة فرع صحة تخلف الحكم عن علته لتحقق مانعٍ أو انتفاء شرط، وهو المسمى بتخصيص العلة، فمن جوزه جوز الاستدلال بالقياس في نفي الحكم الشرعي، بأن يقاس على صورة ثبت فيها نفي الحكم لوجود المانع أو انتفاء الشرط، كما إذا قيل القصاص منتف في الأم إذا قتلت ولدها قياساً على الأب، والجامع حصول المانع فيهما، والزانية الغير المحصنة لا ترجم قياساً على الزاني غير المحصن، والجامع انتفاء شرط.