الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

(فصل): [فيما يعلم بالعقل وبالشرع وبهما معا]

صفحة 619 - الجزء 2

  (والثاني) وهو ما لا يعلم إلا بالشرع: (ما دلَّ عليه الشرع دون العقل) وكذلك (كوجوب الصلاة ونحوها من أعيان المصالح الشرعية) كالزكاة والصوم والحج، فكلما جاء الشرع بوجوبه قضينا بأنه مصلحة لنا، ولطف في واجبٍ أوترك قبيح أو مجموعهما، (وكتحريم شرب دون المسكر)، لا هو فالعقل قاضي بقبحه، (ونحوه من أعيان المفاسد) فكلما جاء الشرع بقبحه قضينا بأنه مفسدة لنا، يدعونا إلى ترك واجب أو فعل قبيح أو مجموعهما، لولا ذلك لم يقبح منا.

  وإنما قلنا: إن الشرع دل عليه دون العقل (إذ لا يهتدي العقل إلى معرفتهما) أي المصالح والمفاسد؛ لأن العلم بهما موقوف على العلم بأحكامها التي يتعلق التكليف بها، كالوجوب والندب والقبح والكراهة والصحة والفساد ونحو ذلك، وموقوف أيضاً على العلم بوجههما وهي علل الأحكام المؤثرة فيها نحو كون الواجبات مصالح، والمقبحات مفاسد ونحو ذلك، والاثنان المذكوران مما استأثر الله بالعلم به، فلا يحصل إلا بوحي من جهته سبحانه.

  (والثالث) وهو ما يعلم بهما: (كل ما كان في العقل دليل عليه ولا يتوقف العلم بصحة الشرع على العلم به) كما يأتي، وكوجوب رد الوديعة والانتفاع بما لا مضرة فيه على أحدٍ.

  (واختلف في مسائل) هل يصح الاستدلال عليها بالشرع أو لا؟ ومبنى الخلاف على أن الاستدلال بالسمع على هذه المسائل، هل هو استدلال بفرع الشيء على أصله أو لا؟، فمن قال بالأوَّل منع الاستدلال بالسمع، ومن قال بالثاني أجازه، إذا عرفت هذا:

  فقال (المنصور) بالله، (والقاضي) عبد الجبار، (وأبو الحسين: لا يصح الاستدلال بالشرع على مسألة موجود ونفي التشبيه) أي تشبيه الله بخلقه أي نفي كونه جسماً، (ومسألة حي).

  واستدل المنصور بالله على ذلك: أن صحَّة السمع لا تعلم ما لم يعلم كونه عدلاً حكيماً لا يفعل القبيح، ولا يعلم ذلك إلا بعد العلم بأنه تعالى عالم بقبح القبيح واستغنائه عنه، وأن من كان بهذه الأوصاف فإنه لا يفعل القبيح، ولا نعلمه عالماً مالم نعلم وقوع الفعل من جهته محكماً، ولا نعلم وقوعه منه كذلك مالم نعلمه قادراً، ولا نعلمه قادراً عالماً مع نفي العلم بكونه حياً، ولا نعقل ثبوت القدرة والعلم إلا مع العلم بكونه موجوداً، ولا نعلمه عالماً باستغنائه عن القبيح مالم نعلمه عالماً لذاته، ولا نعلمه عالماً لذاته مالم نعلمه قديماً، ولا نعلمه قديماً إلا بعد العلم باستحالة كونه محدثاً، ولا نعلم استحالة كونه محدثاً إلا باستحالة مشابهته للأشياء.