(فصل): [في تعارض الأدلة الظنية]
  قولك: يلزم اجتماع النقيضين.
  قلنا: إنما يلزم لو اقتضى كل عند الاجتماع العمل بمقتضاه عند الانفراد وليس كذلك، بل مقتضاهما عند الاجتماع الوقف، ولا تناقض في الوقف، لعدم الحكم بالثبوت أو الانتفاء.
  وثانياً: أنا نختار العمل بأحدهما مخيراً، ونمنع استحالة الحل لزيد والحرمة لعمرو من مجتهد واحد، فإنه ليس ضرورياً ولم يقيم عليه دليلاً.
  وثالثاً: أنا نختار الرابع وهو أنه لا يعمل بهما كما لو لم يكن دليل ولا تناقض في عدم العمل بهما ولا كذب، إنما التناقض في اعتقاد نفي أي الأمرين، أعني الحل والحرمة؛ لأن معناه الحكم بأنه ليس بحلالٍ - أي هو حرام - وليس بحرام - أي هو حلال -.
  والحاصل: أنَّ المستدل ادعى لزوم التناقض على التقدير الأول باعتبار جمع النقيضين، وعلى الرابع باعتبار رفعهما، والمجيب منع اللزوم، بناء على أنَّ العمل بالمتعارضين عند اجتماعهما هو الوقف عن الحكم لا الحكم بثبوت النقيضين، وعدم العمل بهما هو عدم الحكم بهما لا الحكم بعدمهما، وإنما يلزم التناقض لو حكم في الأوَّل بثبوتهما، وفي الرابع بنفيهما، غاية الأمر أن له بعد قيام الدليلين - سوى أعملهما أو أهملهما - أن يحكم بثبوت أحد النقيضين لا بعينه، وهذا ليس من التناقض في شيء فما أوجبه الدليل هو عدم العمل بالدليلين المتعارضين، وليس بمحال، وما هو المحال أعني اعتقاد نفي الأمرين لم يدل عليه الدليل، ولا يخفى أنَّ المراد بالاعتقاد هاهنا ما يعم الظن وبالدليل ما يعم الأمارة، بل نفسها.
  قال (أبو طالب والمنصور) بالله، (والشيخ) الحسن، (وأكثر الفقهاء: و) مع جواز التعارض (يطرحان، ويؤخذ في الحادثة بغيرها إن وجد) ذلك الغير، (وإلا) يوجد (رجع إلى قضية العقل).
  وقال (الشافعي والشيخان) أبو علي وابنه، (والقاضي) عبد الجبار، (والعنبري والباقلاني: بل يخير بين حكميهما) فيعمل بأيهما شاء.
  لنا: أن أحدهما باطل بلا شك، إمَّا بالأصالة أو بالطروّ، فإمَّا أن نعمل بهما، وفيه لزوم اجتماع التحليل والتحريم وهو تناقض، أو بأحدهما معيناً وهو تحكمٌ باطل، أو مخيراً وفيه الإقدام على مالا يؤمن قبحه، وذلك غير جائز.