(فصل): [في تعارض الأدلة الظنية]
  وأيضاً فلا يحصل إلا الشك والعمل به في الأحكام لا يجوز، فلم يبق إلا أن يطرحا ويعمل في الحادثة بغيرهما.
  احتج المخالف: بأنا نقطع أن أحدهما ناسخ للآخر، وأنه يجب العمل، وكل منهما يجوز فيه ذلك فلا وجه لإبطالهما معاً، مع تيقن صحة أحدهما، فيتحتم العمل بأحدهما لا بعينه، كالأمر بالأشياء على التخيير؛ إذ في خلاف ذلك طرح للأخبار والأمارات مع إمكان استعمالها.
  قلنا: لا نسلم ذلك لما ذكرناه.
  وأيضاً فإن التخيير مفتقر إلى دليل يدل عليه نحو أفعل كذا أو كذا، ويؤتى بأو، ولا دليل عليه هنا، كيف وذلك يتضمن التخيير بين واجب ومحرم وهو لا يصح اتفاقاً.
  (ومنشأ الخلاف) بين من أجاز التعادل ومنعه أنه (هل يجوز خلو واقعة عن حكم الشرع) من أذن أو منع (أو لا، فمن منعه منع التعادل) للزوم الخلو عن الحكم (ومن جوزه جوز التعادل).
فرع [في اختلاف حال المجتهد]
  قال (الرازي: ويختلف حال المجتهد على القول بالتخيير، فإن كان اجتهاده لنفسه فله أن يفعل ثانياً غير ما يفعله أولاً؛ إذ) الكل صواب، و (لا تهمة تطرق) إليه (في حق نفسه، فإن كان حكماً فليس له ذلك) أي يختار ثانياً خلاف ما اختاره أولاً، (لما يعرض من التهمة) وظن السوء، وإن كان الكل صواباً؛ ولأنه منصوب لدفع الخصومات، فلو خير الخصمين لم تنقطع الخصومة بينهما؛ لأن كل واحد منهما يختار ما هو أوفق لهواه على هذا، فلو حكم بإحدى الأمارتين لم يجز له بعد ذلك أن يحكم بالأمارة الأخرى، لما روي أنه ÷ قال لأبي بكر: «لا تقض في شيء واحد بحكمين مختلفين».
  (وإن كان مُفتِياً خير المستفتي في العمل بأيهما شاء) لكن لا يضيق عليه ما وسعه الله، وقيل له أن يفتي العامي بأحد تلك الأحكام ولا يبين له؛ إذ العامي لا هداية له.
  (وإن كان لأحد المتعارضين مزية على الآخر فهو الترجيح) وهذا هو قسيم قوله: إن لم يكن لأحدهما مزية الخ.
  (و) الترجيح (حده: تقوية مأخذ المتعارضين الظنيين على الآخر) بأي شيء، إمَّا بدلالة أو أمارة.