الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح
  إما (نسخ) ومثله الإمام بحديث الزكاة «ومن منعها فإنا نأخذها وشطر ماله، عزمة من عزمات ربنا»، قال: وهو منسوخ؛ لأنه إنما ورد حيث كانت العقوبات مشروعة بالمال بقوله: «ليس في المال حق سوَى الزكاة»، وذكر في رسالته أنه لم ينسخ، ثُمَّ قال: وقيل أنه منسوخ.
  (أو تخصيص) وذلك كما في قوله: «فيما سقت السماء العشر» وقوله: «ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة»، فالثاني مخصص لعموم الأوَّل، (أو غيرهما) وهو على ثلاثة أنواع:
  أحدها: أن يتبعض حكم كل واحد من الدليلين المتعارضين أي يكون قابلاً للتبعيض، فيثبت بعضه دون بعض، وعبر الرازي عن هذا النوع بالاشتراك والتوزيع ولم يذكر له مثالاً، ومثله التبريزي في التنقيح بقسمة الملك، وذلك كما إذا كانت في يد اثنين داراً فادعى كل واحد منهما أنها ملكه، فإنها تقسم بينهما نصفين؛ لأن كل واحد منهما دليل ظاهر على ثبوت الملك له، وثبوت الملك قابل للتبعيض، فيتبعض ويحكم لكل واحد ببعض الملك، جمعاً بين الدليلين من وجه، وكذلك إذا تعارضت البينتان فيه على قول القسمة بخلاف ما إذا تعارضتا في نحو القتل والقذف، مما لا يتبعض.
  النوع الثاني: أن يتعدد حكم كل واحدٍ من الدليلين أي يحتمل أحكاماً، فثبت بكل واحدٍ بعض تلك الأحكام، ولم يمثله الرازي أيضاً، ومثله بعضهم بقوله ÷: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد»، فإنه معارض لتقريره ÷ الصلاة في غير المسجد، ومقتضى كل واحدٍ منهما متعدد، فإن الخبر يحتمل نفي الصحَّة ونفي الكمال ونفي الفضيلة، وكذلك التقرير يحتمل ذلك أيضاً، فيحمل الخبر على نفي الكمال، ويحمل التقرير على الصحَّة.
  النوع الثالث: أن يكون كل واحد من الدليلين عاماً - أعني مثبتاً لحكم في الموارد المتعددة - فيوزع الدليلان عليهما، ويحمل كل منهما على بعض تلك الموارد، ومثله البيضاوي بقوله ÷ «ألا أخبركم بخير الشهود»؟ فقيل: نعم، فقال: «أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد»، وقوله: «ثم يفشوا الكذب حتَّى يشهد الرجل قبل أن يستشهد» فيحمل الأول على حق الله والثاني على حقنا.
  (و) التعارض والترجيح (يمتنعان في القطعيين عقليين) كانا (أو شرعيين، فالتعادل) امتناعه (لاستحالته بين القواطع) لاستلزام ذلك اجتماع النقيضين إن عمل بهما معاً، وارتفاع النقيضين إن أهملا معاً، أو التحكم إن عمل بأحدهما دون الآخر، (والترجيح) امتناعه (لأنه فرع التعارض)، وبطلان الأصل ليستلزم بطلان الفرع (و) يمتنعان أيضاً (في القطعي والظني لانتفاء الظن معه) للقطع بالنقيض