الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح

صفحة 634 - الجزء 2

  على المتأخر فيرجع إلى الترجيح بينهما، وإنما قيل بالعكس لأصالة المتقدم في الإسلام ومعرفته، والرازي ذكر مثل قول المصنف، لكن شرط فيه أن يعلم أن سماعه وقع بعد إسلامه، ثُمَّ قال: والأولى أن يفصل فيقال: المتقدم إذا كان موجوداً في زمان المتأخر لم يمنع أن تكون روايته متأخرة عن رواية المتأخر، فأمَّا إذا علمنا أن المتقدم مات قبل إسلام المتأخر أو علمنا أن روايات المتقدم أكثرها تتقدم على روايات المتأخر فهاهنا يحكم بالرجحان؛ لأن النادر ملحق بالغالب.

  (و) السادس والعشرون: إذا كان أحدهما أكثر ملازمة والآخر ليس كذلك، فإنه يرجح (الأكثر ملازمة على غير الأكثر) سواء كان صحابياً أو غير صحابي، بأن يكون أكثر ملازمة لأهل الحديث؛ لأنه في هذه الحال أعرف بطريق الرواية وشرائطها.

  (و) السابع والعشرون: إذا كان أحدهما ذكراً والآخر أنثى فإنه يرجح (الذكر على الأنثى) لأنه أضبط وأرصن ذهناً، وقد نبه الله على ذلك حيث أقام شهادة امرأتين بشهادة رجل.

  لا يقال: إن باب الشهادة غير باب الإخبار؛ لأن الله تعالى نبه على وجه المصلحة بالضبط، فقال: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}⁣[البقرة: ٢٨٢]، ولا شك أن الضبط والعدالة مستند القبول والرواية، واختار الإسفرايني والشيخ والمهدي عدم ترجيح الذكر على الأنثى، قال الاسفرايني: وأضبطية جنس الذكر إنما ترعى حيث ظهرت في الآحاد وليس كذلك، فإنَّ كثيراً من النساء أضبط من كثير من الرجال، وقيل: يرجح الذكر في غير أحكام النساء بخلاف أحكامهنَّ فإنهن أضبط فيها وهو فاسد بما قدمناه.

  (قيل: و) يرجح (أهل المدينة على غيرهم) لأنه موضع معرفة الأحكام، ومحط قبة الإسلام، (وأهل مكة على أهل المدينة) لما ذكر في أهل المدينة، (والحجازي على العراقي والشامي) لقربهم من مواضع النبي ÷، وهذا هو مذهب الشافعي، وعكس أبو الطاهر أحمد بن عيسى بن عبد الله، (والحر على العبد) وهذا هو قول السبكي؛ لأنه لشرف منصبه يحترز عما لا يحترز عنه الرقيق.

  وقال محمد بن الحسن: يرجح خبر الحرين على خبر العبدين؛ لأن شهادة الاثنين توجب الحكم والقطع، فقد اتصل الخبر بما يوجب القطع به، فجاز بخلاف الواحد (والمختار أنهم سواء) لأن المعتبر العدالة والضبط والأمانة، والبقاع والحرية لا تأثير لها في هذه الأشياء.

  (و) الثامن والعشرون: إذا كان إحدى الروايتين بالقول والأخرى بالفعل فإنها ترجح (رواية القول على الفعل) لأن القول أقوى في الدلالة على التشريع من الفعل.