(فصل): [في طرق الترجيح في الحكم]
  المختار: (أن العمل به لرجحانه على) الدليل (الموافق) لحكم العقل، من حيث أن النَّاقل يستفاد منه مالا يعلم من غيره بخلاف المنفي؛ ولأن في القول بكون الناقل متأخراً تقليل النسخ؛ لأنه يقتضي إزالة حكم العقل فقط، وفي القول بكون المقرر متأخراً تكثير النسخ؛ لأن الناقل أزال حكم العقل ثُمَّ المقرر أزال حكم الناقل مرة أخرى (لا لنسخه به) لأنه لا قطع بتأخره (خلافاً للقاضي) عبد الجبار، فزعم أنه نسخ، واستدل عليه بوجهين:
  الأوَّل: أنا نعمل بالناقل على أنه ناسخ، والعمل بالناسخ ليس من باب الترجيح.
  قلنا: لا قطع على أنَّ الناقل عن حكم الأصل متأخر وناسخ، وإنما نقول: الظاهر ذلك مع جواز خلافه، فهو إذن داخل في باب الأولى، وهذا ترجيح.
  الثاني: أنه لو كان العمل بالناقل ترجيحاً لوجب أن نعمل بالخبر الآخر لولاه؛ لأن هذا حكم كل خبرين رجحنا أحدهما على الآخر، ومعلوم أنه لولا الخبر الناقل لكنا نحكم بموجب الآخر لدلالة العقل لا لأجل الخبر.
  قلنا: لولا الخبر الناقل لعملنا بموجب الخبر الآخر لأجله، ألا ترى أنا نجعله حكماً شرعياً، ولهذا لا يصح رفعه إلا بما يصح النسخ به، ولولا أن بعد ورود الخبر صار شرعياً، وإلا لما كان كذلك.
  (وقيل) والقائل الرازي وأتباعه العمل (بالموافق) لحكم العقل (أرجح) من الناقل؛ لأن النفي متأخر عن الناقل؛ إذ لو لم يتأخر عنه لم يكن له فائدة؛ لأنه حينئذ يكون وارداً حيث لا يحتاج إليه؛ لأننا في ذلك الوقت نعرف الحكم بدليل آخر وهو البراءة الأصلية والاستصحاب، وإذا كان متأخراً عن الناقل كان أرجح منه.
  وأجابوا عن دليلي الجمهور:
  عن الأول: بأنه لو جعل المنفي متأخراً لكنا قد استفدنا منه ما لا يستقل العقل به، ولو جعلناه متقدماً لكنا قد استفدنا منه ما يتمكن العقل من معرفته.
  وعن الثاني: أن رفع حكم الأصل ليس بنسخ لما تقدم في حد النسخ، فلا يلزم من تقديم المنفي بالكثير النسخ، وأيضاً فلو اعتقدنا تأخير الناقل لكان ناسخاً لحكمٍ ثابتٍ بدليلين، وهما البراءة الأصلية والخبر المؤكد لها بخلاف ما قلناه، فإنه لا يكون المنسوخ إلا دليلاً واحداً.