الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح
  (و) الثاني: أن يكون أحدهما وجوباً والآخر ندباً فيقدم (الوجوب على الندب) للاحتياط، ولتساويهما في طلب الفعل مع زيادة الأمر بالحث على الفعل؛ ولأن الأمر أولى بتحصيل المقصود لما يلزم من حيث المنفعة اللازمة للفعل؛ ولأن في العمل بالندب تجويزاً للفعل وفيه إبطال للوجوب بخلاف العكس.
  (و) الثالث: أن يكون حكم أحدهما حظراً والآخر إباحة فيقدم (الحظر على الإباحة) ووجهه: أن ملابسَة المحظور توجب الإثم بخلاف المباح فكان الأولى للاحتياط، ولهذا لو اجتمع في العين الواحدة جهة خطر وإباحة كالمتولد بين ما يؤكل وبين ما لا يؤكل قدم التحريم، وقال ÷: «ما اجتمع الحرام والحلال إلا غلب الحرام» وقال ÷: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك».
  (وقيل: عكسه) فتقدم الإباحة على الحظر؛ لأنه لو قدم الحظر كان بمنزلة جعل المحرم متأخراً عن ورود المبيح ناسخاً له، فيكون المبيح المتقدم عليه في الورود إيضاحاً للواضح وهو الجواز الأصلي، بخلاف ما إذا قدر وروده بعد المحرم.
  وذهب أبو هاشم وعيسى بن أبان: إلى التساوي والتساقط.
  قال سعد الدين: ولم يذهب أحد إلى ترجيح الإباحة إلا أن الآمدي قال: يمكن ترجيح الإباحة.
  (و) الرابع: أن يكون حكم أحدهما حظراً والآخر ندب فإن الحظر يرجح (على الندب) لمثل ما تقدم في الإباحة.
  (و) الخامس: أن يكون حكم أحدهما حظراً والآخر كراهة فإنه يقدم الحظر على (الكراهة) للاحتياط، ولما ذكرنا في الثاني.
  (و) السادس: أن يكون حكم أحدهما تكليفي والآخر وضعي فإنه يقدم الحكم (التكليفي) كالاقتضاء وهو ما اقترن به طلب (على) الحكم (الوضعي) وهو مالم يقترن به طلب، إنما هو جعل الشيء دليلاً أو سبباً أو شرطاً على ما مر في تفسير الحكم.
  مثاله: قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤]، فإنه يدل على جواز الترخيص للعاصي بسفره، فيرجح على ما لو قيل: العصيان بالسفر سبب لعدم الترخيص، كما قال ÷: «لا ينال ما عند الله بسخطه»، وإنما رجح التكليفي على الوضعي بالثواب المرتبط بالتكليف.