الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح

صفحة 645 - الجزء 2

  (وقيل: عكسه) وعبارة ابن الحاجب: وقد يعكس أي يرجح الوضعي على التكليفي؛ لأن الوضعي من حيث أنه يفتقر إلى شرائط أقل أقرب إلى النفي الأصلي فكان أولى؛ وذلك أن التكليف متوقف على أهليَّة المخاطب وفهمه وتمكنه من الفعل بخلاف الوضع، فإنه موقوف على الشارع فقط، وإن كان للمكلف أيضاً مدخل في ذلك من حيث أن مصلحته منوطة به.

  (و) السابع: أن يكون حكم أحدهما موجباً للحد والآخر دارئاً له فإنه يرجح (موجب الحد على دارئه وفاقاً للقاضي) عبد الجبار، فلو ورد خبر بحد من أتى البهيمة، وآخر بأنه لا يحد، كان المثبت أولى وأرجح نظراً إلى أنَّ فائدة العمل بالموجب التأسيس، وبالدارئ التأكيد، والتأسيس راجح.

  (لا) أنه يرجح (عكسه) وهو الدارئ على الموجب (خلافاً لابن أبان والشيخ وبعض الفقهاء) وهو اختيار البيضاوي والآمدي وابن الحاجب، نظراً إلى أن الحد ضرر، والضرر منفي عن الإسلام لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا ضر ولا ضرار في الإسلام» وإلى قوله عليه الصلاة والسلام وعلى آله: «ادرؤوا الحدود بالشبهات».

  فإن ورود الخبر في نفي الحد إن لم يوجب الجزم بذلك فلا أقل من حصول الشبهة، والشبهة تدفع الحد للحديث.

  ويمكن الجواب عن الأول: بأن الضرر المقصود به في الحديث الذي لم يبعث له سبب، ولم يقم دليل على إثباته، وهاهنا قد قام الدليل مع أرجحيَّة التأسيس؛ ولأن درء الضرر موافق لحكم العقل، وقد رجحنا فيما سبق الناقل عن حكم العقل.

  وعن الثاني: أن الحد إنما يسقط عن الأعيان بالشبهة، فأمَّا إثباته في الجملة ففارق لإثباته وإسقاطه بالشبهات في الأعيان والأشخاص.

  وأجيب: بأن تعارض البينتين في الحدود إذا كان شبهة في إسقاطه عن الأعيان مع ثبوته في أصل الشريعة، فبأن يجب إسقاطه في الجملة إذا تعارض فيه خبران ولم يتقدم له حاله ثبوت أولى.

  واعترض: بأنَّ الدرء في اللغة إنما يكون للواقع لا محالة لولا الدرء، فأمَّا ما تراخى وقوعه فلا يسمى في اللغة درء إلا على وجه المجاز، وإثبات الحد في الجملة حكم شرعي، وليس له وقوع في شخصٍ معين فيقال بأنه يجب درؤه أو لا يجب.