الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح
  وأنت خبيرٌ بأن هذا اعتراض جدلي لا جدوى تحته؛ إذ المقصد المعاني لا يفيده لفظ الدرء إذا كان الحد بعد ثبوته يسقط بالشبهة فبالأولى قبل استقراره؛ لأنه أضعف حالاً لا سيما وقد قال صلى الله عيه وآله: «لئن تخطئ في العفو خير من أن تخطئ في العقوبة».
  (ولا) أيهما أعني الدارئ والمثبت (سواء، خلافاً للإمام) يحيى (والغزالي) نظراً إلى أنهما خبران مأثوران عن النبي ÷، فكانا سواء، وقد كان # يعلمنا ما تقضي به العقول وما لا تقضي به.
  قلنا: لا نسلم استواء التعليمين؛ لأنه # لم يبعث إلا ليفيدنا مالم نعلمه إلا منه.
  (وقال أبو طالب: إن كان الدارئ مبقياً على حكم العقل فقط) أي ولم يفد مع التبقية حكماً شرعياً (فالموجب أرجح) لنقله لحكم العقل والناقل له أرجح كما تقرر، (وإن أفاد مع التبقية حكماً شرعياً) كما لو ورد خبر أن من قبَّل امرأة حدّ، وخبر آخر أنه لا يحد ويتصدق بدينار، فإن هذا الخبر المسقط للحد وإن أسقط الحد لأجله فلم يرد مبقياً لقضية العقل التي هي سقوط الحد، بل ورد منع ذلك وهو التصدق بدينار، (فهما سواء) لمصيرهما حينئذ شرعيين؛ لأن العقلي الذي لم تقض فيه قضية مبتوتة إذا غيره الشرعي فهو شرعي كما سبق، وقد يمنع المساواة لفائدة التأسيس.
  (و) الثامن: أن يكون حكم أحدهما موجباً للعتق بخلاف الآخر، فإنه يرجح (موجب العتق على نافيه)، وذلك نحو قوله ÷ «من لطم مملوكه عتق عليه»، مع قوله «فكفارته أن يعتقه».
  (عند الكرخي وأبي الحسين) لأن الرق يخالف قضية العقل، والعتق يرد الآدمي إلى ما كان عليه في الأصل وإلى ما يقضي به العقل، فكان أولى لمضامة دليل إلى دليل.
  وأيضاً: فالمثبت للمعتق مع النافي كالشهود على ثبوته مع الشهود على عدمه، وقد ثبت هناك ترجيح جنبة الإثبات، فكذا هناك.
  وأيضاً: فإنه أقوى، إذ لا يطرأ على العتق قبيح بخلاف الرق فإنه يطرأ عليه الحرية، وقد لا نسلم عدم طرو الرق على الحرية وصحة القياس على الشهادة، لافتراقهما في كثير من الشروط، ويرجح جنبة التأسيس على التأكيد.
  (وقيل: عكسه) فيقدم النافي لهما، وبه يشعر كلام الآمدي لموافقته التأسيس بمعنى أنه على وفق الدليل المقتضي لإثبات ملك اليمين المترجح على النافي له، وهو الأصل.