الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في الكناية والمجاز]

صفحة 131 - الجزء 1

  {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ٥}⁣[طه: ٥]، {وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ}⁣[الزمر: ٦٧]، ونحو ذلك، فإن هذه كلها كنايات عند المحققين من غير للزوم كذب.

  قال فيه أيضاً: وميلُ صاحب الكشاف إلى أنه يشترط في الكناية إمكان المعنى الحقيقي؛ لأنه ذكر في قوله تعالى {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ}⁣[آل عمران: ٧٧]، أنه مجاز عن الاستهانة والسخط، وأن النظر إلى فلان بمعنى الاعتداد به والإحسان إليه كناية إذا أسند إلى من يجوز عليه النظر، ومجاز إذا أسند إلى من لا يجوز عليه النظر. انتهى.

  (والمجاز لغة) هو: (العبور) الذي هو التعدي، يقال: جزت مكان كذا إذا عبرته وتعديته، قال امرء القيس:

  فلما أجزنا ساحة الحي وانتحا ... بنا بطن جنب ذي قفاف عقيقل

  فلما كان اللفظ المستعمل في غير موضعه الأصلي شبيه بالمنتقل عن موضعه الأصلي، لا جرم أنه سمي مجازاً.

  وإطلاق لفظ المجاز حقيقة من جهةِ العرف لما تقدم لك في الحقيقة مجاز من جهة اللغة لوجهين:

  الأوَّل: أنا قد بينا أن هذه اللفظة مأخوذة من العبور، وذلك لا يتأتى إلا في الأجسام، فوصف هذه اللفظة بأنها مجاز تشبيهاً بالأصل.

  الثاني: أنه قد نقل من المصدر واسم المكان إلى اسم الفاعل، فقيل: جائز، ثُمَّ نقل إلى كلام كل لفظ استعمل في غير ما وضع له فهو في الدرجة الثانية من النقل.

  (و) أمَّا (اصطلاحاً): فهي (اللفظ المستعمل) اسماً أو فعلاً أو حرفاً، لكنه فيهما بالتبع.

  واحترز بالمستعمل عن الكلمة قبل الاستعمال فإنها ليست بمجاز ولا حقيقة.

  (في غير ما وضع له) احترز بهذا عن الحقيقة، وقوله (في اصطلاح التخاطب) متعلق بقوله: وضع قيد بذلك ليدخل المجاز المستعمل فيما وضع له في اصطلاح آخر كلفظ الصلاة، فإذا استعمله المخاطب بعرف الشرع في الدعاء مجازاً، فإنه وإن كان مستعملاً فيما وضع له في الجملة، فليس مستعملاً فيما وضع له في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب - أعني الشرع - وليخرج من الحقيقة ما يكون له معنى آخر باصطلاح آخر، كلفظ الصلاة المستعملة بحسب الشرع في الأركان المخصوصة، فإنه يصدق عليه أنه لفظ مستعمل في غير ما وضعت له، لكن بحسب اصطلاح آخر