الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح
  هذا ذكر الإمام والفقيه والقاضي عبد الله وابن أبي الخير، وغلَّطُوا الحفيد في نسبة الخلاف إلى من ذكر من أهل العدل على ما حكاه في الجوهرة، ولذلك قال المصنف: (والتحقيق: أن جواز ذلك) أي مخالفتهما لحكم العقل (إنما يستقيم على مذهب نفاة الأحكام العقلية كالأشعرية وغيرهم) كالإمامية، (لا على مذهب من يثبتها كأئمتنا والمعتزلة، فلا بد من مطابقة أحدهما لحكم العقل في عينه أوجنسه) ومثل هذا ذكر قطب الدين من الأشاعرة قال بعد ذكره لأصل المسألة: وهذا إنما يستقيم على مذهبنا دون مذهب المعتزلة؛ لأن العقل عندهم يفيد الأحكام. انتهى.
  والتوفيق بين ظاهر قول أبي هاشم والجمهور: أن مراد أبي هاشم أنه يجوز أن لا يكون في العقل واحد من حكمي الخبر على التعيين فحينئذ يطرح الخبران ويبحث عن دليل شرعي غيرهما إن وُجد، وإلا عدل عنهما إلى قضية العقل، وإن كانت غير مطابقة لأحد الخبرين على التعيين كأن تكون قضية العقل إمَّا وجوباً أو ندباً فالخبر المبيح موافق لما قضى به العقل في الجنس، وإن لم يتطابقا على تعيين الإباحة فقد اتفق العقل والسمع في مجرد الجنس، وأراد أئمتنا أنه لا يجوز خلو الحادثة عن قضية العقل مطابقة لأحد الحكمين على التعيين، أو مطابقة في جنس أحد الحكمين، وإن لم يطابق في العين فعرف أنه لا بد عند الجميع للعقل من قضية في الحكم مطابقة لأحد الخبرين، إمَّا في عين الحكم أو جنسه، فيكون المراد إن لم يكن حكم العقل فيما تواردا فيه الحظر أو الإباحة على التعيين، وفي جنبة الإثبات مثل ذلك.
  والدليل على أنه لابد من حكمٍ باقٍ في العقل: القسمة الدائرة بين النفي والإثبات؛ لأن القادر على الفعل المميز المختار، إمَّا أن يكون له أن يفعله أو لا، الأوَّل: الحسن، والثاني: القبيح(١).
(١) وقال المهدي في المنهاج: اعلم أن الأصوليين قد يطلقون هذه العبارة - أعني كون بعض الأحكام الشرعية لا حكم له في العقل - وهذه عبارة توهم الخطأ، لأنها توهم أن مجيء الشرع بحكم لا ينسب له قبل ورود الشرع حكم في العقل لا في تحليل ولا تحريم ولا ندب ولا كراهة، لا في ضرورة العقل ولا في دلالته، وليس كذلك فإنه ما من حكم شرعي إلا والعقل يقضي فيه بقضية، من تحليل أو تحريم، لكنه نوعان: نوع يعلم حكمه بضرورة العقل، ونوع لا يعلم حكمه إلا بدلالته، الأول: وجوب قضاء الدين، والثاني: إباحة كل ما يصح الإنتفاع به من غير ضرر يلحقه أو يلحق من هو أخص به، كالإنتفاع بالشجر الذي لا مالك له قبل ورود الشرع يبيح أو يحرم، وإباحة هذا لا يعلم بضرورة العقل بل بدلالته، فإذا ورد خبران أحدهما يقتضي حظر شيء لا يعلم حظره ولا =