(فصل): [في الترجيح بين القياسين]
  أمَّا الأولتان: فلأنهما عدميتان، والمعلل بالعدم لا يدعو إلى شرع الحكم إلا إذا جعل العلم باشتمال ذلك العدم على نوع مصلحة، فيكون الداعي إلى شرع الحكم في الحقيقة هو المصلحة لا العدم، فيكون التعليل بالمصلحة أولى.
  وأمَّا الثانية: وهي الشرعية، فلأجل الإتفاق على تعليل الحكم بالوصف الحقيقي دون الحكم الشرعي.
  مثاله: في مسح الرأس، مسح فلا يسن تثليثه كمسح الخف، مع قوله فرض فيسن تثليثه كغسل الوجه.
  (و) الثاني: إذا كان أحد العلتين شرعية والأخرى عدمية، فإنها ترجح الشرعية (هي على) العلة (العدمية)، لأن الشرعية أشبه بالوجود، وقوله (في الأصح) إشارة إلى اختيار البيضاوي وأحد احتمالي الرازي أنَّ العدمية مرجحة على الشرعية؛ لأن العدم أشبَه بالأمور الحقيقية من حيث أن اتصاف الشيء بهِ لا يحتاج إلى شرع بخلاف الحكم الشرعي.
  (و) الثالث: إذا كان أحد العلتين منفردة والآخرى مركبة فإنها ترجح العلة (المفردة على العلة المركبة) لأن المفردة متفق عليها؛ ولأن الإجتهاد في المفردة أقل، فيبعد عن الخطأ بخلاف المركبة.
  قال الآسنوي: وحكى القاضي عبد الوهاب في الملخص قولاً أن العلة الكثيرة الأوصاف أولى، قال: وعندي أنهما سيان، وكذا حكاه عنه العراقي، وهذا الثالث هو مقتضى كلام إمام الحرمين في البرهان. انتهى.
  (و) الرابع: إذا كان أحد العلتين قليل تركيبها والأخرى بخلافها فإنه يرجح (ما قل تركيبها على ما كثر) تركيبها لشبهها بالمفردة، وقد تقرر ترجيح المفردة على المركبة.
  (و) الخامس: إذا كان أحد العلتين نفيياً وحكمها ثبوتياً والأخرى بخلافها، فإنه ترجيح (التي هي وحكمها ثبوتيان على التي هي وحكمها نفييان) قال الرازي: لأن العلية والمعلولية وصفان ثبوتيان، فحملهما على المعدوم لا يمكن إلا إذا قدر المعدوم موجوداً.
  قال الآسنوي: وقوله أنهما ثبوتيان ممنوع فإنهما عدميان كما صرح به هو في غير موضعٍ لكونهما من النسب والإضافات.
  (و) السادس: إذا كان أحد العلتين ظاهرة ومنضبطة والأخرى بخلافها، فإنها ترجح العلة (الظاهرة و) العلة (المنضبطة على خلافها) الخفية والمضطربة لكون الأول أقوى دلالة على المقصود من الثاني.