الباب السادس عشر وهو اخر أبواب الكتاب باب التعادل والترجيح
  (قيل: و) ويرجح (الضرورية على الاستدلالية) وهو كلام الآسنوي، لتجويزه التعارض بين القطعيات، (والمختار منعه؛ إذ لا ترجيح بين القطعيات) كما تقدم، (وإن اختلفت جلاء وخفاء) بحسب حالتي الضرورة والاستدلال.
  (و) السابع: إذا كان أحد العلتين متعددة والأخرى قاصرة فإنها ترجح العلة (المتعدية على) العلة (القاصرة) لكثرة الفائدة فيها، مثاله لو قيل: يحرم الخمر بكونه خمراً مع ما لو قيل: يحرم لإسكاره.
  (و) الثامن: إذا كان أحد العلتين أكثر تعدياً والآخر أقل، فإنه يرجح (الأكثر تعدياً على الأقل) لكثرة الفائدة.
  مثاله: مسح الرأس ركن في الوضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه، لأنه يتعدى إلى غسل اليدين والرجلين، بخلاف قول الآخر مسح في الوضوء فلا يسن فيه التكرار كمسح الخف، (خلافاً لأبي طالب والحنفية فيهما) فزعموا أن القاصرة والأقل تعدياً أرجح؛ لأن الخطأ فيهما أقل.
  (و) التاسع: إذا كانت إحداهما مطردة والأخرى منقوصة، فإنها ترجح (المطردة على المنقوضة) لسلامتها عن المفسدة وبعدها عن الخلاف، مثاله: أن يقول الشافعي في الأخ أو في العم قرابة لا تحرم الزكاة فلا يعتق عليه، كابن العم، فيقول الحنفي: ذو رحم محرم فيعتق عليه كالولادة، فإنَّ هذه العلة منقوضة بابن العمَّ الرضيع.
  (و) العاشر: إذا كانت إحداهما مطردة منعكسة والأخرى بخلافها، فإنها ترجح (المطردة المنعكسة على خلافها) وهو المطردة غير المنعكسة؛ لأن الأول أغلب على الظن، وأبعد عن الخلاف، مثاله: في مسح الرأس فرض في الوضوء فيسن تثليثه كغسل الوجه، فيقول الحنفي: مسح تعبدي في الوضوء فلا يسن تثليثه كمسح الخف، وعلة الشافعي غير منعكسة؛ لأن المضمضة والاستنشاق ليسا فرضاً عنده، ويسن تثليثهما وعلة الحنفي منعكسة؛ لأن الغسل يسن تثليثه فرضاً كان أو سنة كغسل المستيقض من نومه يده، ومسح الاستنجاء ليس تعبدياً فيبطل طرد علته.
  (و) الحادي عشر: إذا كانت أحدهما مطردة فقط والأخرى منعكسة فقط، فإنها ترجح (المطردة فقط) من غير انعكاس (على المنعكسَة فقط) من غير اطراد، لوجوب اشتراط الاطرادين في الإتفاق وعدم الإتفاق على وجوب الإنعكاس، فإذا كانت العلة في أحد القياسين مطردة بلا نزاع، وإن كان في انعكاسها نزاع كان ذلك القياس أرجح مما لا يكون نزاع في انعكاس علته وينازع في اطراد علتها.