فصل: في بيان وقوع المجاز وتقسيمه إلى المفرد والمركب، والداعي إلى العدول إليه
  (و) خلافاً (للظاهرية(١) والإماميَّة(٢)) لا مطلقاً، بل إنما خالفوا في ورود المجاز (في الكتاب) العزيز، (و) خلافاً (للظاهريَّة في السنة) الواردة عن رسول الله صلى الله عليه فإنهم منعوه فيها.
  لنا على إثباته: أن الأسد للشجاع والحمار للبليد في المفردات، وأخرجت الأرض أثقالها في المركبات وغيرها مما لا يحصى مجازات؛ لأنه يسبق منها عند الإطلاق خلاف ما استعملت فيه، وإنما يفهم هو بقرائن، وهذا حقيقة المجاز، وأيضاً هو ممكن؛ لأن المجاز نوع من الكلام والله قادر على جميع أفنانه؛ ولأنه يعلم حسنه مع حصول القرينة المخرجة له عن حيز التلبيس حيث أريد به غير ما وضع له، مع ما فيه من المبالغة والإختصار؛ لأن لفظ الحمار أبلغ في الإبانة عن المراد من عظيم بلادته، وأخصر من بليد كبلادة الحمار، وأيضاً فقد وقع كما قدمنا وأنه دليل الجواز.
  ولنا على وقوعه في السنة: قوله صلى الله عليه «أنا مدينة العلم وعلي بابها» فإنها استعارة بالكناية وتخيلية، كما لا يخفى.
  احتج المنكرون لوقوعه: بأنه لو كان واقعاً للزم الإخلال بالتفاهم؛ إذ قد تخفى القرينَة.
  قلنا: إنه لا يوجب امتناعه، غايته أنه استبعاد وهو لا يعتبر مع القطع بالوقوع.
  احتج المنكرون له في الكتاب والسنة: بأن المجاز كذب؛ لأنه ينفى فيصدق نفيه؛ إذ نقول للبليد مثلاً: ليس بحمارٍ فيصدق نفيه، ويجب تبريتهما عن الكذب.
  قلنا: إنما يصدق النفي وهو للحقيقة، وإنما يلزم كذب الإثبات لو كان أيضاً للحقيقة.
  قالوا: لو خاطبنا الله بالمجاز لجاز أن يوصف بأنه متجوز كما أنه لو خاطبنا بالكلام جاز وصفه بكونه متكلماً، فلما لم يوصف بما ذكرناه دل على كونه غير مخاطب بالمجاز على حالٍ، وهذا هو مطلوبنا.
(١) الظاهرية: أتباع داوود الظاهري.
(٢) الإمامية: فرقة من الشيعة، ويسمون الإثنا عشرية، وهم فرق متعددة.