الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان وقوع المجاز وتقسيمه إلى المفرد والمركب، والداعي إلى العدول إليه

صفحة 136 - الجزء 1

  (ومنعه) أي المجاز (السكاكي⁣(⁣١) وابن الحاجب في التركيب) أي المجاز الذي يكون في الإسناد؛ لأن لفظ التركيب لا يطلق إلا عليه، ولا يطلق على المجاز الذي للتمثيل كما توهمه بعضهم، صرح بما ذكرناه الأسنوي.

  فقال السكاكي في الذي في الإسناد نحو أنبت الربيع البقل، قال: والذي عندي نظمه في سلك الاستعارة بالكناية، تجعل الربيع استعارة بالكناية عن الفاعل الحقيقي بواسطة المبالغة في التشبيه، وجعل نسبة الإنبات إليه قرينة للاستعارة.

  والاستعارة بالكناية عند السكاكي أن يذكر المشبه ويريد المشبَه بواسطة قرينة، وهي أن ينسب إليه شيء من اللوازم المساوية للمشبه، مثل أن يشبه المنية بالسبع، ثُمَّ يفردها بالذكر ويضيف إليها شيئاً من لوازم السبع فقال: مخالب المنية نشبت بفلان، وابن الحاجب حكم بأنَّ التجوز في المسند ما في الإسناد، جعله مجازاً عن المعنى الذي يصح إسناده إلى المسند إليه المذكور، مثلاً جعل الإنبات في قولنا: أنبت الربيع البقل مجازاً عن التسبب العادي، والجد في جد جده عن الاشتداد، أي اشتد جده، وعلى هذا القياس.

  واعلم أن الحقيقية هي الأصل وأنَّ المجاز هو خلاف الأصل، والذي يدل عليه وجوه:

  الأوَّل: أنَّ اللفظ إذا تجرد وجب حمله على حقيقته لا على المجاز لاشتراط القرينة، وهي منعته، ولا عليهما؛ لأن الواضع لو أمر بحمله عليهما كان حقيقة فيهما، ولا لا على واحد منهما؛ لأن اللفظ يصير حينئذٍ من المهملات.

  وثانيها: أن المجاز لا يتحقق إلاَّ عند نقل اللفظ من شيء إلى شيء لعلاقة بينهما، وذلك يستدعي أموراً ثلاثة:

  الأولَّ: وضعه للأصل، ثُمَّ نقله إلى الفرع، ثُمَّ علة النقلة، فأمَّا الحقيقة فيكفي فيها أمر واحد وهو وضعه للأصل، ومعلوم أن ما هذا حاله أغلب وجوداً من ذلك لكثرة توقعاته.

  وثالثها: أن واضع اللفظ للمعنى إنما يضعه ليكتفي بالدلالة عليه، فكل من تكلم بلغته يجب أن يريد به ذلك المعنى دون ما هو مجاز فيه.


(١) السكاكي هو: يوسف بن أبي بكر بن محمد بن علي أبو يعقوب الخوارزمي، كان عالماً كبيراً متبحراً فى النحو والتصريف، وعلمي المعاني والبيان والعروض والشعر، توفي سنة (٦٢٦).