فصل: [في العلاقة بين المدلول الحقيقي والمجازي]
  ورابعها: الإجماع على أن الأصل الحقيقة، (وإنما يعدل إليه) أي المجاز عن الحقيقة، لفوائد:
  (إما لأمر يرجع إليها) أي الحقيقة (كثقلها) على اللسان، إمَّا بالإضافة إلى حروفه المفردة، وهذا نحو: حروف الحلق فإنها ثقلية لما في مخرجها من الصعوبَة على الألسنة، وإمَّا بالإضافة إلى تنافر تركيبها وهذا نحو غقجق، وإمَّا بالإضافة إلى ثقل وزنه، فإن من الأوزان ما يكون في غاية الصعوبة، واللفظ المجازي يكون خالياً عن هذه الشوائب، فلهذا جاز ترك الحقيقة إلى المجاز.
  (أو جهلها) أي اللفظة الحقيقة كالخنفقيق للداهية، فيعدل عنه إلى الحادثة لجهل أن الخنفقيق الداهية.
  (أو نحو ذلك) كأن يستشنع التصريح بها نحو قوله تعالى {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}[النساء: ٤٣]، فإنما عدل عن الحقيقية لبشاعتها على اللسان، ومجانبتها لخلق الحياء والمروءة.
  (أو) لأمر (يرجع إليه) أي المجاز لا لأمر يرجع إلى الحقيقة، وذلك (كبلاغته) مثل الإستعارة في قولك: رأيت بدراً؛ إذ هو أبلغ مما لو قلت: رأيت إنساناً كالبدر؛ لأنك إذا قلت رأيت بدراً فقد أشعر هذا اللفظ من أول وهلة أن المرئي هو ذاتُ البدر وحقيقته، بخلاف قولك: رأيت رجلاً كالبدر، فإنَّما يعطي أنك رأيت رجلاً خلا أنَّه يشبه البدر في حسنه، وهيهات ما بين اللفظين من الرقَّة والمبالغة؛ لأن المجاز يكسب الكلام رونقاً وحلاوةً، وعذوبَة وطلاوة، لا تكون في الحقيقة، وسبب ذلك هو أن الشيء إذا عبر عنه باللفظ الدال على الحقيقة حصل كمال العلم فلا يبقى تشوق، فلا تحصل به لذة، بخلاف ما إذا عبر عنه بالمجاز، فإنه لا يحصل العلم به على الكمال، فتبقى النفوس متشوقة إلى معرفته، فلهذا كانت اللذة عنه سماعة أكثر من اللذة عند سماع الحقيقة.
  (أو شهرته) أي المجاز، وخفاء الحقيقة كالمشفر بالنظر إلى الشفة مثلاً.
  (أو نحو ذلك) من الأشياء الموجبة للعدول عن الحقيقة، كالمبالغة، نحو رأيت قوماً عديد الحصا، أو التهكم نحو {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٢١}[آل عمران: ٢١]، أو التعظيم نحو: سلام على المجلس العالي، أو الإهانة نحو: الكلب للخسيس.
فصل: [في العلاقة بين المدلول الحقيقي والمجازي]
  (ولا بد من علاقة) وهي اتصال ما للمعنى المستعمل فيه بالمعنى الموضوع له (بين المدلول الحقيقي والمجازي) لأجلها يصح إطلاق لفظ الحقيقة على المجاز (فإن كانت) العلاقة (غير