فصل: [في العلاقة بين المدلول الحقيقي والمجازي]
  المشابهة) أي بين المعنى المجازي والحقيقي (فإن) ذلك (يسمى المجاز المرسل) لإرسال علاقته أي إطلاقها عن التقييد بالمشابَهة.
  (وإلا) تكن العلاقة غير المشابهة، بل كانت المشابهة (فاستعارة) تمييزاً له عن قسيمه، إن قصد أن الإطلاق سبب المشابهة، فإذا أطلق المشفر على شفة الإنسان فإن قصد تشبيهها بمشفر الإبل في الغلظ فهو استعارة، وإن أريد أنه من إطلاق المقيد على المطلق كإطلاق المرسن عل الأنف من غير قصد التشبيه فمجاز مرسل، فاللفظ الواحد بالنسبة إلى المعنى الواحد قد يكون استعارة، وقد يكون مجازاً مرسلاً.
  ولمَّا كانت علاقة الاستعارة المشابهة ولها أربعة أركان المشبَه والمشبَه به والأداة ووجه الشبه، نحو: زيد كالأسد في الشجاعة، ولا بد في الاستعارة من حذف الأداة والوجه، وحذف أحد الطرفين على المشهور.
  (فإن) طوى ذكر المشبه و (ذكر فيها) أي الاستعارة (المشبه به فإ) نها تسمى (الاستعارة التحقيقية) لتحقق ما عني بها، واستعملت هي فيه حساً أو عقلاً بأن يكون اللفظ قد نقل إلى أمر معلوم يمكن أن ينص عليه، ويشار إليه إشارة حسيسة أو عقليَّة.
  فالحسي: كقول زهير:
  لدى أسدٍ شاكي السلاح مقذف ... له لبد أظفاره لم تقلم
  فالأسد هاهنا هو المشبه به مستعار للرجل الشجاع وهو متحقق حساً.
  والعقلي: كقوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ٦}[الفاتحة: ٦]، أي الدين الحق وهو ملة الإسلام وهو أمر متحقق عقلاً.
  (وإن) طوى ذكر المشبه (به ذكر المشبه فإ) نها تسمى (المكني عنها) وإنما سميت المكني عنها لأنه لم يصرح فيها بالمشبه به، بل إنما دل عليه بذكر خواصه ولوازمه، وأمَّا تسميتها استعارة بمجرد تسمية، ويسمى إثبات الأمر المختص بالمشبه به استعارة تخييلية؛ لأنه قد استعير للمشبه ذلك الأمر الذي يخص المشبه به، وبه يكون كمال المشبه به، وقوامه في وجه التشبيه ليستحيل أن المشبه من جنس المشبه به.
  (وقد حصرت العلاقة) وحصرت بغير صيغة، والحاصر لها علماء البيان (بحسب الاستقراء) عن العرب والحصر نوعان: استقرائي كهذا، وعقلي وهو المتردد بين النفي والإثبات، يجزم العقل