فصل: في الفصل بين الحقيقة والمجاز
  إمَّا (بسبقها) أي الحقيقة (إلى الفهم من دون قرينة) عند سماع ذلك اللفظ، فإن هذا يدل على أن اللفظ حقيقة في ذلك المعنى، كما روي أن الرسول ÷ لما سمع قول العباس بن مرداس:
  أيقسم نهبي ونهب العُبيـ ... ـد بين عيينة والأقرع
  قال «اقطعوا لسانه»، فتبادر إلى فهم بعضهم أن المراد القطع حقيقة أي بالسكين، فإن السامع لولا أنه اضطر من قصد الواضعين إلى أنهم وضعوا اللفظ لذلك المعنى لما سبق إلى فهمه ذلك المعنى دون غيره.
  (أو عُرُوِّها) أي الحقيقة (عنها) أي القرينة (عند الاستعمال) فإذا استعمل اللفظ في أحد المعنيين بلا قرينة، وفي الآخر بقرية دلَّ على أن اللفظ حقيقي بالنسبة إلى المعنى الذي استعمل فيه بدون القرينة، وإلا لما اقتصر على ذلك اللفظ.
  (ويعرف المجاز) من الحقيقة بأمور بعضها متفق عليها، أو بعضها مختلف فيه، فاتفق على أنه يعرف: إما بالضرورة وذلك:
  [١] (بالنص عليه كذلك) أي مثل الحقيقة:
  إمَّا بأن يصرح أهل اللغَة باسمه كأن يقالُ: هذا مستعمل في غير ما وضعٍ أوَّل على وجه يصح في اصطلاح به التخاطب.
  أو بخاصيته كأن يقال: هذا مشروط بالقرينة، ولا يصح التجوز عنه.
  [٢] (أو بالإستدلال بسبق غيره إلى الفهم) وزاد قوله (راجحاً) يخرج المشترك؛ لأنه لا رجحان، وقد يقال: إن زيادة راجحاً تطويل؛ لأنه لا يسلم أن الفهم يسبق في المشترك، بل يبقى متردداً أي المعنيين أريد أوتحمل عليهما أجمع كما سبق، فقد خرج من قوله: يسبق غيره إلى الفهم والله أعلم، (لولا القرينة) منعت من حمله على الحقيقة، كإذا قيل: رأيت أسداً يرمي فإن القرينة تمنع أن يراد بالأسد السبع.
  [٣] (أو باستحالة قيامِه) أي اللفظ (بما عُلق به) وذلك كاليد والوجه إذا علقا به تعالى نحو {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ}[الرحمن: ٢٧]، {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ}[المائدة: ٦٤]، فإن معنى اللفظ الحقيقي مستحيل قيامه به لاستلزامه التجسيم، فتعين كون ذلك مجازاً، وكذلك قولُه تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}، فإنَّ قيام معنَى اللفظ بالقرينة مستحيل، فتعين كون ذلك مجازاً، والله أعلم. وهذا آخر المتفق عليها.