الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في الفصل بين الحقيقة والمجاز

صفحة 147 - الجزء 1

  من ثنيات وداع، وقد صح في هذا المقام أن يقال: الطالع ليس القمر فيعلم أن المراد إنسانٌ كالقمر في الحسن، وعلى أن اللفظ مجاز فيه.

  قال سعد الدين: ولا يخفى أن هذا بالقرائن أشبه منه بالعلامات.

  قال العلوي⁣(⁣١): لأن القرائن تنصب على إرادة المعنى المجازي، ثُمَّ يعلم تبعاً أن اللفظ مجاز فيه، لا على أن اللفظ مجاز فيه ثم تعلم إرادة المعنى المجازي تبعاً.

  وأمَّا معرفته باختلاف صيغة الجمع: فاعترض بأن الاختلاف في الجمع لا يدل على التجوز، لجواز أن يكون لاختلاف المسمَّى، كالعيدان لعود الخشب والأعواد لعود اللهو.

  وأجيب: بأن وجه دلالته أن اختلاف الجمع يدل على أن اللفظ ليس متواطئاً في المعنيين اتفاقاً، فلو لم يكن في الآخر مجازاً لزم الاشتراك، والمجاز أولَى لما ستعرفه إنشاء الله تعالى.

  فإن قيل: فلا أثر لاختلاف الجمع في كونه علامة للمجاز بل كل لفظٍ علم كونه حقيقة في معنى، فإذا استعمل في معنى آخر يحمل على المجاز دفعاً للاشتراك.

  قلنا: هذا يصلح دليلاً على المجازيَّة، وأمَّا العلامة فهي جمعه على خلاف الجمع؛ إذ به يعرف أنه ليس بمتواطئ، ولا يخفى أنه إنما يصح لو كان الاختلاف بانفراده يصلح علامة للمجاز، وليس كذلك؛ لأنه إنما يبقى التواطؤ لا الاشتراك اللفظي وإنما ينفيه دفع الاشتراك، فمجموعهما يصلح علامة للمجاز لا كل واحد بانفراده؛ لأن العلاقة غاية لتميز الشيء، ولا يخفى أن التمييز إنما يحصل بمجموعهما.

  وأمَّا معرفته بعدم الاشتقاق: فقال الرازي: الدعوى العامَّة لا تصح بالمثال الواحد؛ ولأن الرائحة حقيقة في معناها، ولم يشتق منها الاسم.

  وأمَّا معرفته بعدم اطِّراده: فاعترض بأنَّ عدم الإطراد لا يصلح علامَة للمجاز لتحققه في بعض الحقائق، فإن السخي قد يطلق على غير الله للجود، والله تعالى جواد ولا يقال له سخي،


(١) هو العلامة المحقق يحيى بن القاسم بن عمر بن علي العلوي اليماني الصنعاني: العالم الحافظ الرحالة المفسر، وولد سنة (٦٨٠) هـ، ونشأ في اليمن، وأخذ عن علمائها، حتى برع في فنون العلم، ثم رحل إلى عدة بلدان إسلامية فدخل دمشق سنة ٧٤٩ هـ، وزار بغداد والري والديلم واصفهان، وكان شاعراً مجيداً، ومؤلفاً بارعاً، واعتمد العلماء حاشيته على تفسير الكشاف، ومات سنة (٧٥٣) هـ، ببلاد الشرف وقبر بجهة اللجب.