الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل [في إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا]

صفحة 149 - الجزء 1

  أحدهما من حيث أنه نفس الموضوع له، والآخر من حيث أنه متعلق به لنوع علاقةٍ، وإن كانَ اللفظ بالنظر إلى هذا الاستعمال مجاز وإلى هذا حقيقي.

  فقالت (القاسميَّة) من أهل البيت وهم المنتسبون إلى ترجمان الدين القاسم بن إبراهيم طباطبا # (والشافعي: ويصح أن يراد باللفظ حقيقته ومجازه كالمس) في قوله تعالى في آية الظهار {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا}⁣[المجادلة: ٤]، فإنَّه حقيقة في مس البشرة مجاز في الوطء، فيحرم به عندنا والشافعي في أحد قوليه الوطء ومقدماتُه، وكالمس أيضاً في قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ}⁣[البقرة: ٢٣٧]، فإن المس حقيقة في مس البشرة مجاز في الجماع، فحمل عليهما على المذهب، فوجب المهر كاملاً بالدخول أو الخلوة الصحيحة كما هو مقرر في موضعه من علم الفروع، وكاللمس في قوله تعالى: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ}⁣[النساء: ٤٣]، فإنه مجاز في الوطء حقيقة في المس باليد، ولهذا حكم الشافعي بنقض الوضوء من مس النساء باليد، وكان مقتضى أصول أصحابنا ذلك، ولعلهم حكموا بعدمه لقرينة اقتضت صرف الآية إلى المجاز وهي مماسَّة عائشة للنبي صلى الله عليه وقت صلاة، وكالنكاح فإنه حقيقة في العقد مجاز في الوطء، فيحرم العقد والوطء مع الإحرام للنهي عن النكاح معه، وكذا الأمر حيث أطلق على الوجوب والندب في قوله تعالى {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ}⁣[البقرة: ٢٣٣]، حيث الواجب عليها كأيام اللبا، والمندوب كما عداها.

  لنا: على جواز إرادة المعنيين قول المصنف: (إذ لا مانع) لا (عقلي) كما ادعاه أبو هاشم من أن المخاطب بلغة العرب يجد من نفسه تعذر كونه مريداً بعبارة واحدة شيئاً وخلافه في وقت واحد؛ لأن اللفظ مقدور وإرادة كل واحد من المعنيين مقدور، ولا مانع من ذلك في الحكمة، فبطل المنع منه.

  يوضح ذلك: أن الذي يمتنع في المقدور إرادة الضدين أو ما يجري مجراهما مع العلم بالتنافي، كأن يريد المخاطب بصيغة الأمر الاستدعاء والتهديد معاً، والوقوف والمجاوزة، وهذا مفقود فيما جوزناه، (ولا) مانع (لغوي) كما ادعاه أبو حنيفة؛ إذ لا دليل عليه (خلافاً لأبي حنيفة⁣(⁣١))، فزعم امتناعه لغة.


(١) أبو حنيفة هو النعمان بن ثابت الكوفي، أبو حنيفة، فقيه العراق، مولده سنة (٨٠) هـ، رأى أنس بن مالك، جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء، اتفق بالامام زيد بن علي # لما وصل الكوفة، ولما دعا الإمام زيد أعانه بمالٍ واختلف في قدره قيل ثلاثين ألف درهماً وقيل غير ذلك، واعتذر عن الخروج معه بودائع عنده للناس، =