فصل: [في القرينة]
  نَذِيرٌ ٢٤}[فاطر: ٢٤]، فاقتضَى ذلك أن الطير والوحوش يأتيها نذير من جنسها، كما ذهبت إليه الحشويَّة، فإنهم قالوا: إن لكل جنسٍ من الحيوانات نبياً منها.
  وكلامهم باطلٌ: بما عُلم من السمع والعقلِ أن الرسالة لا تكون إلا إلى مكلفٍ، ولأنَّه يكفي في كونهم أمثالاً لنا مشاركتهم لنا في الحدوث والحياة والرزق والآجال، أو الحس والتألم أو التلذذ، أو الحاجة إلى مدبر يدبرها، أو في أنَّها تتوالد، أوفي خلقها لغرض صحيح، أو في مجموع ذلك.
  وقد قيل: مثلنا في كتبية أفعالنا في اللوح المحفوظ.
  وقال عطاء(١): مثلنا في معرفة التوحيد والعدل.
  وأمّا الذي بغير خطاب: فقد أشار إليه السيد | بقوله (كعلل القياس ونحوها من التعلقات المخصوصة).
  والحاصل: أن الثاني هو التعلق المخصوص كما أشار إليه القاضي عبد الله، قال: ويعني بكونه مخصوصاً أنّ له دلالة على الحكم.
  والتعلق المخصوص ضربان: أحدهما: تعلق يرجع إلى المتكلم، والآخر يرجع إلى غيره، والراجع إلى المتكلم نحو أن يخاطبنا # بخطاب له معنيان: لغوي وشرعي، وهما في الاستعمال على سواء، فإنَّا نحمل مراده في ذلك على المعنى الشرعي؛ لأنه # منتصب لتعليم الشرائع ومبعوثٌ لذلك.
  لا يقال: الإستواء في ذلك غير ممكن؛ لأنه إن كان في ابتداء الشريعة: فالأسبق إلى الأفهام هو المعنى اللغوي، وإن كان بعد استقرارها: فالأسبق إلى الأفهام المعنى الشرعي، فلم نأخذ الحكم - والحال هذه - من التعلق المخصوص، وإنما حملناه على المعنى الشرعي؛ لأنه قد صار مع استقرار الاستلام كالمعلوم إذا أطلق.
  لأنا نقول: المقصود بذلك في ابتداء الشريعة، فإنَّا نحمل ما قاله # على الأمر الشرعي لقرينة بعثته (ع) لتعليم ذلك، وإن كان المعنى اللغوي في ذلك الوقت هو الأسبق.
(١) عطاء بن أبي رباح، من أعلام التابعين المشهورين، روى عن الصحابة، وهو من شيوخ أبي حنيفة، توفي سنة (١١٤) هـ.