الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

[التعارض بين المجاز والإشتراك]

صفحة 164 - الجزء 1

  أمَّا الأوَّل: فظاهر، (لغلبته) علم ذلك بالاستقراء؛ إذ الظن قاضٍ بإلحاق المفرد بالأكثر؛ لأنه قد يكون أبلغ، فإن (اشتعل رأسي شيباً) أبلغ (من شبت) وأوجز كما تقدم، وأوفق للطبع لثقلٍ في الحقيقة كالخنفقيق للداهية، أو لعذوبة في المجاز كالروضَة للمقبرة، وإمَّا للمقام لزيادة بيانٍ كالأسد للشجاع لكونه بمثابة دعوى الشيء ببيِّنة، أو تعظيم كالشمس للشريف، أو تحقير كالكلب للخسيس كما تقدم.

  ولأنَّه يتوصل به إلى أنواع البديع السجع نحو: حمار ثرثار، إذا تغانى أواخر القرائن، والمطابقة نحو:

  لا تعجبي يا سلم من رجل ... ضحك المشيب برأسه فبكى

  والمشاكلة⁣(⁣١) نحو: كلما لج قلبي في هواها لجَّت في مقتي.

  والمجانسة مثل:

  ما مات من كرم الزمان فإنه ... يحيى لدى يحيى بن عبد الله

  والروي مثل:

  عارضننا أصلاً فقلنا الربرب ... حتَّى تبدى الأقحوان الأشنب

  بخلاف بليد ثرثارٍ، وظهر المشيب، وازداد هواي، ويوجد لدى يحيى، فأشبهنَّ الأبيض.

  وأمَّا الثاني: فلأن المجاز لا يخل بالتفاهم؛ إذ يحمل مع القرينَة عليه وبدونَها على الحقيقة، بخلاف الاشتراك عند خفاء القرينَة؛ إذ لا يفهم منه شيء على التعيين؛ ولأنه يكفي فيه قرينَة واحدة، فالمشترك يحتاج إلى قرينتين بحسب نفسه.

  ولأنه لا يؤدي إلى مستبعدٍ من ضدٍّ أو نقيضٍ إذا حمل على غير المراد بخلاف المشترك مثل: لا تطلق في القرء، والمراد الحيض، نفهم منه الطهر فيفهم منه جواز التطليق في الحيض فيوهم قرينة وهي نقيض المراد ووجوبه وهو ضد المراد، فلمَّا كان المجاز في نفسه قد يشتمل على تلك الفوائد ويخلوا عن هذه المفاسد كان الحمل عليه عند التردد أولا، وليس المراد أنَّ اللفظ فيه يشتمل على ذلك فافهم.


(١) في حاشية هامش النسخة (أ) مالفظه: وقع في العضد عوض هذه اللفظة المطابقة، وحمله السعد على جعلها اسماً للمشاكلة، فاقتفينا أثره في ذلك، وذلك أن اللجاج إنما يكون في المقت الذي هو البغض، لا الهوى، وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته.

وأما الشريف فأبقى كلام العضد على ظاهره، وقال في توجيهه: كأن هناك جمع بين شيئين هما الهوى واللجاج فيه وبين ضديهما، ولولا ضلك لم يكن طباقاً، لأن الهوى وإن كان مضاداً للمقت، لكن ليس ازدياده لجاجاً فيه، كذا قال، تمت منه.