الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان الأمور التي يحصل بسببها الإخلال بالقطع بمدلول اللفظ

صفحة 168 - الجزء 1

  مثاله: استدلال الحنفي على أنه لا يحل نكاح امرأة زنا بها أبوه لقوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ}⁣[النساء: ٢٢]، بناء على أن المراد بالنكاح هنا هو الوطء.

  فيقول أصحابنا والشافعي: يلزمك الاشتراك؛ لأنه قد تقرر أن النكاح حقيقة في العقد كما في قوله تعالى {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ}⁣[النور: ٣٢]، فينبغي حمله عليه فراراً من ذلك.

  فيقول الحنفي: وأنتم يلزمكم التخصيص، لأن العقد الفاسد لا يقتضي التحريم.

  فنقول: التخصيص أولى، أو يقال: لا نسلم أن العقد الفاسد لا يقتضي التحريم كما هو مذهبنا.

  وأمَّا إذا تعارض النقل والمجاز: فالمجاز أولى؛ لأن النقل يحتاج إلى اتفاق أهل اللسان على تغيير الوضع، وذلك متعذر أو متعسر، والمجاز يحتاج إلى قرينة وذلك متيسر، ونحن لا نخالف في ذلك لكثرة المجاز ولما ذكروه.

  قال الأسنوي: ومثاله الصلاة فإن المعتزلة يدعون نقلها من الدعاء إلى الأفعال الخاصة، والإمام وأتباعه يقولون: إن استعمالها فيه بطريق المجاز، فيكون المجاز أولَى لما قلناه.

  وأمَّا إذا تعارض النقل والإضمار: فالإضمار أولى؛ لأن الإضمار والمجاز متساويان كما سيأتي، والمجاز خير من النقل لما عرفت، والمساوي للخير خير.

  مثاله: قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}⁣[البقرة: ٢٧٥]، فإنه لا بد فيهما من تأويل؛ لأن الربا هو الزيادة، ونفس الزيادة لا توصف بحل ولا حرمَة.

  فقالت الحنفيَّة: التقدير أخذ الربا أي أخذ الزيادة، وإذا توافقا على إسقاطها صح العقد.

  وقال الشافعي: الربا نقل إلى العقد المشتمل على الزيادة بقرينة قوله تعالى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، فيكون المنهي هو نفس العقد فيفسد سواء اتفقا على حط الزيادة أولاً.

  وأمَّا ذا تعارض النقل والتخصيص: فالتخصيص أولى؛ لأن التخصيص خير من المجاز كما سنبينه إنشاء الله تعالى، والمجاز خير من النقل.

  مثاله: قوله تعالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فإن الشافعي يقول: إن المراد بالبيع اللغوي وهو مبادلة الشيء بالشيء مطلقاً، ولكن إلا أنه خصت بأشياء ورد النهي عنها، فعلى هذا يجوز بيع لبن الآدميات مثلاً مالم يثبت تخصيصه.