الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان الأمور التي يحصل بسببها الإخلال بالقطع بمدلول اللفظ

صفحة 169 - الجزء 1

  ويقول الحنفي: نقل الشارع لفظ البيع من مدلوله اللغوي إلى المستجمع لشرائط الصحة، فليس باقياً على عمومه حتَّى يستدل به على كل مبادَله.

  فيقول الشافعي: التخصيص أولى.

  وأمَّا إذا تعارض المجاز والإضمار: فهما سواء؛ لأن كل واحدٍ منهما يحتاج إلى قرينة تمنع المخاطب عن فهم الظاهر.

  مثاله: إذا قال السيد لعبده الأصغر منهما هذا ابني فيحتمل أن يكون عبر بالنبوة عن العتق فيحكم بعتقه، ويحتمل الإضمار تقديره مثل ابني في المحبة أو في غير ذلك، هكذا جزم به الرازي في المحصول والمنتخب، وجزم في المعالم بأنَّ المجاز أولى لكثرته.

  وأمَّا إذا تعارض المجاز والتخصيص: فالتخصيص أولى؛ لوجهين:

  الأوَّل: أن التخصيص إذا لم ترد قرينة بإخراجه من العموم عمل المخاطب بمراده وزيادة، بخلاف المجاز فإنَّه يعمل بغير مراده.

  الثاني: أن في صورة التخصيص انعقد اللفظ دليلاً على كل أفراد، فإذا خرج البعض بقي معتبراً في الباقي، فلا يحتاج فيه إلى تأمل، والمجاز صرف اللفظ عن ظاهره، فيحتاج إلى تأمل.

  مثاله: استدلال أبي حنيفة أن الذابح إذا ترك التسمية عمداً لا يحل ذبيحته بقوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ}⁣[الأنعام: ١٢١]، أي لا تأكلوا مما لم يتلفظ عليه باسم الله، فيلزم التخصيص؛ لأنه صلى الله عليه نهى عن أكل غير المذبوح، ويقول: هو مجاز عن ذبح عبدة والأوثان وما أهل به لغير الله تعالى؛ لملازمته ترك التسمية، ونحن نوافق في الصورة هذه.

  وأمَّا إذا تعارض الإضمار والتخصيص: فالتخصيص أولى؛ لأن التخصيص خير من المجاز، والمجاز والإضمار سيان، فلزم أن يكون التخصيص خير من الإضمار والمساوي خير.

  مثاله: قوله تعالى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}⁣[البقرة: ١٧٩]، فقال بعضهم: الخطاب مع الورثة؛ لأنهم إذا اقتصوا فقد سلموا وحيوا بدفع هذا القاتل الذي صار عدواً لهم.

  وقال بعضهم: الخطاب للقاتلين؛ لأن الجاني إذا اقتص منه فقد انمحى إثمه فيبقى حياً حياة معنويَّة، فعلى هذين لا إضمار ولا تخصيص.