فصل: [في بقاء معنى الأصل في المشتق منه]
  الإطلاق الثاني: ما قاله (أبو هاشم) من المعتزلَة (و) أبو علي (ابن سيناء(١)) من الفلاسفة (لا يشترط مطلقاً) فنحو متكلم حقيقة، وضارب حقيقة في حال الضرب وغيرها.
  والتفصيل هو الذي أشار إليه بقوله: (و قيل: إن كان بقاه ممكناً) وذلك (لوجود أجزائه دفعة كضارب) فإن الضرب يوجد دفعة (اشتُرط) البقاء، (وإلاَّ) يمكن بقاؤه بأن لا توجد أجزاؤُه دفعة، بل شيئاً فشيئاً (فلا) يشترط بقاء معناه (كمتكلم) فإن الكلام لا يتصور حصوله إلا بحصول أجزائه، وهي حروف تنقضي أولاً فأولاً، ولا تجتمع في حينٍ.
  ومن فوائد الخلاف: صحة الاحتجاج على جواز الرجوع للبائع إذا مات المشتري قبل وفاء الثمن من قوله صلى الله عليه وعلى آله الصلاة والسلام «أيما رجل مات أو فلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه».
  فإن قلنا: إنه صاحب حقيقة باعتبار ما مضى رجع فيه لاندراجه تحته.
  وإن قلنا: إنه مجاز فلا يتعين الحمل على المستعير.
  وهاهنا بحثان: أحدهما: وهو أن الفعل من جملة المشتقات مع أن إطلاق الماضي منه باعتبارٍ ما مضى حقيقة بلا نزاع، وقد دخل في كلام المصنف حيث قال: وشرط في كون المشتق حقيقة، وأما المضارع فينبني على الخلاف المشهور من كونه مشتركاً أولاً، فإن جعلناه مشتركاً أو حقيقة في الاستقبال فيستثنَى أيضاً.
  الثاني: أن التعبير بالبقاء إنما يصح فيما يصح عليه البقاء.
  إذا عرفت ذلك، فالحجة لنا: أنه لو كان المشتق حقيقي بعد انقضائه لما صح نفيه؛ لأن صحة النفي من علامات المجاز، وقد صح؛ إذ يصح نفيه في الحال وأنه يستلزم النفي مطلقاً.
  بيانه: أنه يصدق وليس بضارب في الحال فيصدق ليس بضارب مُطلقاً؛ لأن النفي في الحال أخصَّ من النفي في الجملة، وكل ما صَح للملزوم صح لللازم.
  وقد أجيب: بأن في الحال إن كان طرفاً للنفي، بمعنى أنه يصدق في الحال أنه ليس بضارب فهذا عين النزاع، وإن كان طرفاً للمنفي كضارب مثلاً بمعنى أنه يصدق أنه ليس بضارب في
(١) أبو علي ابن سيناء هو: الحسين بن عبد الله الشهير بابن سينا، الشيخ العلامة الفيلسوف، توفي سنة (٤٢٨) هـ.