الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: [في بقاء معنى الأصل في المشتق منه]

صفحة 175 - الجزء 1

  احتج المفصلون: بدليل الجمهور فيما كان بقاؤه ممكناً، وفيما عداه بأنه لو اشترط بقاء المعنى لما كان في مثل مخبر ومتكلم حقيقة، واللازم باطل باتفاق.

  بيان الملازمة: أنه لا يتصور حصول المعنى، أعني الخبر والكلام إلا بحصول أجزائه، وأنها حروف تنقضي أولاً بأول ولا تجتمع في خبر، وقبل حصولها لم يتحقق وبعده قد انقضت.

  قلنا: لم تبنَ اللغة على المضايفة في أيما تنقضي أجزاؤه شيئاً فشيئاً هل هو باقٍ أم لا، بل يعنون ببقاء المعنى عدم انقضائه بالكليَّة، حتَّى يقولون لمن هو مباشر للإخبار في الكلام إنه مخبر ومتكلم حقيقة، وإن المعنى باقٍ غير منقضٍ، وكذا المتحرك ما دام متوسطاً بين المبدأ والمنتهى، ألا ترى أن من يمشي من مكة إلى المدينة يسمى ماشياً ويراد به أجراء من الماضي ومن المستقبل متصلة بعضها ببعضٍ لا يتخللها فصل: يعد تركاً لذلك الأمر وإعراضاً عنه، فالمخبر والمتكلم حقيقة لمن يكون مباشراً للخبر والكلام مباشرة عرفيَّة، حتى لو انقطع كلام بتنفسٍ أو سعال قليل لم يخرج عن كونه متكلماً حقيقة.

  (وهو) أي المشتق (في المستقبل مجاز اتفاقاً) فصارت قبل حصول الضرب مجازاً اتفاقاً، وحاله حقيقة اتفاقاً، وبعد الضرب محل الخلاف، وقد حكى إمامنا المنصور بالله قدس الله روحه⁣(⁣١) أن بعض أهل اللغة العربية يقولون: إنه حقيقة، واختاره |، فينظر.

  [وحكى هذا القول في دامغ الأوهام عن أبي هاشم، ولفظه:

  بل حقيقة في الماضي والمستقبل، كالحال، لأنها صفات لمن صدر منه الفعل مطلقاً من دون نظر إلى زمان، فهو حقيقة في الجميع.


= والثاني لا يتصور فيه عدم البقاء إذ المعتبر وجوده بالفعل البتة. تمت علوي.

(١) هو الإمام الأعظم، المجدد للدين، المنصور بالله أبو محمد القاسم بن محمد بن علي بن الرشيد، من عظماء الإسلام، ودعاة الأئمة الأعلام، ومولده في صاية شريف شمال مدينة الشاهل من قضاء الشرفين في سنة (٩٦٧) هـ، ونشأ في طلب العلم، وهاجر وتنقل في البلدان، وقام داعياً إلى اللّه من محل قارة سنة (١٠٠٦) هـ، وجاهد الغزاة المستعمرين من العثمانيين الأتراك جهاداً كبيراً، وأقام الحق والعدل، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، واستولى على أغلب المناطق في اليمن، بعد عناء وكفاح مرير، وتوفي بشهارة سنة (١٠٢٩) هـ، ودفن جوار جامع شهارة الذي بناه، له الكثير من المؤلفات العلمية في شتى الفنون.