فصل: في بيان هل تثبت اللغة بقياس أو لا؟
  (و) إنما (اختلف في) شيء خلاف ذلك وهو (إثبات الأسماء اللغوية بقياس لغوي، فيسمَّى لغة المسكوتُ عنه) أي المعنى الذي لم يعلم بالنَّقل والاستقراء أنه من أفراده يُسمَّى ذلك الاسم (باسم غيره) أي غير المسكوت عنه، وهو المعنى الذي جعل ذلك الاسم له (لجامع بينهما) تدور التسمية بالاسم معه وجوداً وعدماً، فيرى أن الجامع ملزوم الاسم، فأينما وجد الجامع في ذلك ثبتت تسميتُه بذلك الاسم (كالنبيذ) أي كتسمية النبيذ (خمراً) إلحاقاً له بالعقار (للتخمير) أي التغطية الذي فيه للعقل المشترك بينهما الذي دار معه التسميَة، فمتى لا يوجد في ماء العنب لا يسما خمراً بل عصيراً، وإذا وجد فيه سمي به، وإذا زال عنه لم يسم به، بلا خلاف، (و) مثل (النَّباش) للقبور فإنه يسمى (سارقاً للأخذ بخفية و) كتسمية (اللائط زانياً للإيلاج المحرم).
  (والمختار منع ذلك) أي منع تسمية المذكورات بالأسماء المذكورة (إلا بالنّقل والاستقراء) عن العرب، الظاهر أنَّه استثناء منقطعاً، أي لكن يثبت التعميم بالنَّقل أو الاستقراء، ويحتمل أن يكون معنى منع ذلك منع تسميَة المذكورات بالأسماء المذكورة، ومعنى قوله إلاَّ بالنَّقل والاستقراء، إلا أن يثبت في شيء من هذه الصور نقل أو استقراء فيخرج عن محل النزاع، فلا يكون المثال مطابقاً ولا يضر؛ لأن المثال يراد للتفهيم لا للتحقيق (وفاقاً للجويني والغزالي والآمدي وابن الحاجب) والباقلاني في رواية السبكي(١)، (وخلافاً للمنصور) بالله نص عليه في صفوة الاختيار، (والباقلاني) في رواية ابن الحاجب عنه، (وابن سريج(٢) وابن أبي هريرة(٣) والرازي وجمهور أئمة العربيَّة) واختاره الإمام في القسطاس(٤) فقالوا: يجوز القياس في اللغة.
(١) السبكي هو: القاضي علي بن عبد الكافي الخزرجي الأنصاري، من كبار علماء الشافعية، توفي بالقاهرة سنة (٧٥٦) هـ.
(٢) ابن سريج هو: أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج، البغدادي القاضي، من علماء الشافعية بالعراق، له مصنفات كثيرة، كانت كتبه تشتمل على أربعمائة مصنف وقام بنصرة مذهب الشافعي ورد على المخالفين، توفي لخمس بقين من جماد الأولى سنة (٣٠٦) هـ.
(٣) ابن أبي هريرة هو: الحسن بن الحسين القاضي، أبو علي بن أبي هريرة البغدادي، أحد علماء الشافعية، مات ببغداد في رجب سنة (٣٤٥) هـ.
(٤) هو الإمام يحيى بن حمزة #، وهو المراد أينما أطلق بلفظ الإمام، والقسطاس كتاب في أصول الفقه.