فصل: في بيان هل تثبت اللغة بقياس أو لا؟
  لنا: أن القياس في اللغة إثبات اللغة بالمحتمل؛ لأنه يحتمل التصريح بمنعه كما يحتمله باعتباره، بدليل منعهم طرد الأدهم والأبلق في غير الفرس، والقارورة والأجدل والأخيل وغيرها مما لا يحصى، فعند السكوت من الواضع عن التصريح بالمنع والاعتبار يبقى، والمعنى على الاحتمال وهو غير جائز؛ لأن بمجرد احتمال وضع اللفظ للمعنى لا يصح الحكم بالوضع، فإنه حكم بوقوع أحد طرفي الحكم من غير رجحان وهو تحكم؛ ولأنه مستلزم لصحة الحكم بالوضع من غير قياس عند قيام الاحتمال، وكلاهما باطل بالاتفاق، وقد يقال: إن أريد مجرد الاحتمال من غير رجحان فغير مسلم، وما ذكرتم في تأييد ذلك لا يفيد، فإن الذي منع فيه الإطراد ليس كالذي يثبت فيه الإطراد، وإن أريد مطلق الاحتمال فلا يجوز إثبات اللغة لجواز أن يكون احتمالاً راجحاً، فلا يلزم التحكم بالوضع بمجرد احتمال من غير قياس.
  احتج المثبتون: بأنه دار الاسم مع المعنى وجوداً وعدماً، فدل على أنه المعتبر؛ لأن الدوران يفيد ظن الغلبة.
  قلنا: ما ذكرتم وإنْ دلَّ على جواز إثبات اللَّغة بالقياس بناء على غلبَة الظّن بغلبة المعنى، فعندنا ما ينفيه بناء على إقامة الدليل على عدم غلبته، وذلك أن الاسم دار مع المحل لكونه أيضاً ماء العنب ومال الحي ووطئاً في القبل، وكما كان استدلالكم بالدوران، فكذا استدلالنا، فالمعنى جزء العلة ولا يكون وحده علة إلا لو دار الاسم معه في غير هذا المحل، وظاهر أنه ليس كذلك، فلا يستلزم الاسم، ولا يكون علمه.
  ولما استشعر المصنف ¦ سؤالاً، وذلك أن يقال له: كيف منعتم إثبات اللغة بالقياس وقد قلتم إنّ المجاز لا يقف على الورود، قال: (وليس المجاز من ذلك) أي من إثبات الأسماء اللغويَّة بقياس لغوي بأن يقال: إنا قد سمينا الرجل الشجاع مثلاً أسداً بجامع الشجاعة المشتركة بين الرجُل الشجاع والأسد، وهذا قياس؛ لأنا نقول: ليس هذا بقياسٍ (إذ العلاقة) المشترطة بين المعنى الحقيقي والمجازي التي قد اعتبر بها العرب (فيه) أي في المجاز (مصححة للتجوز كرفع الفاعل) فإنه قد ثبت بالاستقراء.
  (فأما إثبات الأسماء الشرعيَّة بقياس شرعي) كتسمية صلاة الجنازة صلاة قياساً على الخمس لمعنَى شرعي يدور التسمية بالاسم معه وجوداً وعدماً، فالصلاة تدور التسمية بها مع أذكارٍ على هيئة مخصوصَة تحريمها التكبير وتحليلَها التسليم (فجائز على الأصح كما يأتي) في القياس إنشاء الله تعالى.