فصل [شرح الحروف الصغير]
  قال: فليس إشارة إلى خلاف؛ إذ لا قائل بأنها للمعيَّة في الأصح.
  لنا: النقل عن أئمة اللغة أنها كذلك، نقل أبو علي الفارسي أنه مجمع عليه، وذكره سيبويه في سبعة عشر موضعاً في كتابه.
  وأيضاً فلو كانت للترتيب لزم محذورات:
  منها: أنه يتناقض قوله تعالى {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة: ٥٨]، مع الآية الأخرى وهي قوله {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا}[لأعراف: ١٦١]، إذ القصة واحدة، والتناقض في كلامه محال.
  ومنها: أنه لا يصح تقاتل زيد وعمرو؛ إذ لا يتصور في فعل يعتبر في مفهومه الإضافة المقتضية للمعية ترتيب وأنه صحيح باتفاقٍ.
  ومنها: أن يكون قولنا: جاء زيد وعمرو بعده تكراراً لاستفادة التعديَة من الواو، وقولنا: جاء زيد وعمرو قبله تناقضاً، وهو مجيئه بعده للواو وقبله لقبله، واللازم منتفٍ باتفاق.
  لا يقال: صحة إطلاق الواو حيث لا ترتيب ولا معيّة، لا يستلزم كونها حقيقة لجواز أن تكون مجازاً، والمجاز وإن كان خلاف الأصل يصار إليه عند قيام الدليل، والأدلة الدالة على كونها للترتيب تدل على ذلك بكونه راجحاً على الاشتراك، فصار الحاصل أنها في غير الترتيب مجاز لا حقيقة؛ لأن الأدلة القائمة على كونها للترتيب تدل على أنها مجاز في غير الترتيب؛ لئلا يلزم الاشتراك.
  لأنا نقول: هذه معارضة، وهي لا تقدح في صحة دليل الخصم، فلا يحسن ذكرها في معرض التزييف للدليل على المذهب الحق.
  نعم لما دلَّ ما ذكرنا على كونها للترتيب احتاج دليلنا إلى الترجيح، لكن أدلتهم ليست بتامَّة لما انتجي من أجوبتها إنشاء الله.
  احتج أبو طالب: بقوله تعالى {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا}[الحج: ٧٧]، ففهم منه أن السجود بعد الركوع، ولولاه جاز الأمران.
  قلنا: لا نسلم أن الترتيب فُهِمَ منه، ولعله مستفاد من غيره كالإجماع، وفعل النبي صلى الله عليه بيان لمجمل الصلاة، فوجوب تقديم الركوع على السجود موافق لتقديمه عليه، وعطفه عليه بالواو في الآية الكريمة، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون مستفاداً منه، ولا يلزم من عدم دلالة هذا الدليل عليه عدم الدليل مطلقاً، بل يجوز أن هناك أدلَّة كثيرة.