فصل [شرح الحروف الصغير]
  قالوا: لما نزل {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ}[البقرة: ١٥٨]، الآية قال # «ابدؤوا بما بدأ الله» فصرح بوجوب الابتداء بما بدأ الله، ويفهم منه ترتيب الوجوب على ابتداء الله به في تعليق الحكم بالوصف من الإشعار بالحيثية والعلية.
  قلنا: هذا دليل لنا لا علينا، فإن الترتيب مستفاد من قوله «ابدؤوا بما بدأ الله به» ولو كان الواو للترتيب لفهموه من الآية ولم يشكوا فيه فلم يسألوا، فلم يحتاجوا إلى قوله «ابدؤوا» فلما سألوا علمنا أنها ليست للترتيب.
  قالوا: خطب أعرابي عند النبي صلى الله عليه فقال: من أطاع الله ورسوله فدق اهتدى ومن عصاهما فقد غوى، فقال ÷ «بئس خطيب القوم أنت، قل ومن عصى الله ورسوله» ولو أن الواو للترتيب لما كان بين العبارتين فرق، ولما كان للرد والتلقين معنى.
  قلنا: لائم عدم الفرق حينئذ، إذ الإفراد بالذكر فيه تعظيم ليس في القران، فرد عليه لتركه التعظيم الذي كان يحصل بالإفراد لو أفرد، ويدلّ عليه أن معصيتهما لا ترتيب فيها؛ لأن كلّ أمرٍ بطاعة الآخر فمعصيته معصية لهما؛ ولأنَّهما يطلقان في الأوامر طرداً(١).
  (و) الثاني: (الفاء) وهي (للتعقيب) أي تدل على وقوع الثاني عقيب الأوَّل - يعني بغير مهملة، لكن في كل شيء بحسبه، فلو قال: دخلت مصر فمكة، أفاد التعقيب على ما يمكن.
  والدليل على أنها للترتيب: إجماع أهل اللغة على ذلك، وضعف بأن الغزالي ذهب إلى أن ما بعدها يجوز أن يكون سابقاً، وذهب الجرمي(٢) إلى أنها إن دخلت على الأماكنِ والمطر فلا ترتيب فيها، نقول: نزلنا نجداً فتهامة، ونزل المطر نجداً فتهامة.
  وقد يستدل بأن أكثر استعمال العرب لها كذلك، فكان قرينة على أنها حقيقة فيه.
(١) في هامش النسخة (أ) مالفظه: وأيضاً فمعارض بما رواه أبو داوود من طريق ابن مسعود «ومن يعصهما فقد غوي»، وقد قال في كتاب الناسخ والمنسوخ: إن الأول منسوخ بهذا، وأقول: الجمع ممكن بأن يكون النبي ÷ قد حضر منه المشاركة في التعظيم فنهاه، وهو آمن من نفسه لذلك قاله. صح.
(٢) هو أبو عمر: صالح بن إسحاق الجرمي، البصري، مولى جرم بن زبَّان، من قبائل اليمن، كان فقيهاً عالماً بالنحو والأدب، وله من التصانيف التنبيه والأبنية ومختصر النحو مات سنة (٢٢٥) هـ.