الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل [شرح الحروف الصغير]

صفحة 184 - الجزء 1

  (وخالف) في كونها للتعقيب (بعض النحاة) مستدلاً بقوله تعالى {لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ}⁣[طه: ٦١]، فإن الافتراء في الدنيا، والسحت وهو الاستئصَالَ للتعقيب في الآخرة.

  قلنا: لمَّا كان الاستئصَال مقطوعاً بوقوعه جزاء للمفتري جعل كالواقع عقيب الافتراء مجازاً، ولا شك أن المجاز خير من الاشتراك.

  (و) الثالث: (ثُمَّ) وهي (للترتيب) أي تدل على وقوع الثاني عقيب الأول بمهلة، فإذا قلت: جئت ثُمَّ أكرمت زيداً، أفاد حصول الإكرام بعد المجيء، وتراخيه عند علم ذلك باستعمالهم لها فيه بغير قرينَة في الأغلب.

  وخالف بعضهم في إفادتها الترتيبُ مستدلاً بقوله تعالى {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}⁣[الزمر: ٦]، والجعل قبل الخلق.

  قلنا: ثُمَّ معطوف على محذوف هو صفة نفسٍ، مثل خلقها أو معنى واحدَة أي من نفسٍ وجدت ثُمَّ جعل منها زوجها فتنفعها بها، أو على خلقكم للتفاوت بين الاثنين، فإن الأولى عادة مستمرة دون الثانية، أو أخرج من ظهره ذريته كالذر، ثُمَّ خرج منه حواء، فخلقكم أي أصلكم، أو توسع فيها بأن أقيمت مقام الواو كما في آية أخرى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}⁣[لأعراف: ١٨٩].

  (و) الرابع: (من) وهي (لابتداء الغاية) قال الأسنوي: أي في المكان اتفاقاً كقولك: خرجت من البيت إلى المسجد، وفي الزمان عند الكوفيين والمبرد⁣(⁣١) وابن درستويه⁣(⁣٢)، وصححه ابن مالك⁣(⁣٣)، واختاره أبو حيان، لكثرة وُروده نظماً ونثراً كقوله تعالى {مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ}⁣[التوبة: ١٠٨]،


(١) المبرد: هو محمد بن يزيد بن عبدالأكبر بن عمير بن حسان الثمالي، الأزدي البصري، المعروف بالمبرد، النحوي، نزيل بغداد، كان إماماً في النحو واللغة، عده المنصور بالله # في الشافي من القائلين بالعدل والتوحيد، قال في الجداول: وعداده في الشيعة، وله التآليف النافعة في الأدب، أخذ عن أبي عثمان المازني، وعن أبي حاتم السجستاني، وأخذ عنه نفطويه والزجاج، وكان معاصراً لأبي العباس ثعلب، ولد المبرد سنة (٢٢٠) هـ، وتوفي سنة (٢٨٦) هـ.

(٢) ابن درستويه هو: أبو محمد عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه الفارسي، نحوي مشهور، له مؤلفات، وهو من تلامذة المبرد، توفي في سنة (٣٤٧) هـ.

(٣) ابن مالك هو: جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك النحوي، صاحب الألفية، توفي سنة (٦٧٢) هـ.