فصل: في بيان سبب الوضع وبيان الواضع
  (وقيل) يدخل (إن كان من جنسه) نحو: أكلت السمكة إلا رأسها (فقط) أي وإن لم يكن من جنسه لم يدخل نحو: نمت البارحة إلى الصباح.
  (وقيل: مشتركة بينهما) أي بين الدخول وعدمه؛ لوجودهما في قوله تعالى {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ}[المائدة: ٦]، وقوله {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}[البقرة: ١٨٧]، ففي الأول وجد الدخول، وفي الثاني انتفى، وسيأتي في باب المفهوم ما يرشدك إنشاء الله تعالى إلى الحق.
فصل: في بيان سبب الوضع وبيان الواضع
  (وسبب وضع اللفظ) للمعنى (الحاجة إلى التعبير عما في الضمير) أي إفهام ما فيه، قال السيد الشريف وغيره: لأن الإنسان مدني بالطبع، أي محتاج في نفسه إلى التمدن، وهو اجتماعه مع بني نوعه يتعاونون ويتشاركون في تحصيل الغذاء واللباس والمسكن وغيرها، ومن أمر المعاد، فإنهم محتاجون إلى تعريف بعضهم بعضاً ما في أنفسهم من أمر معادهم لإفادة معرفة الصانع ﷻ بصفات ذاته، وأفعاله المتعلقة بالدنيا كإرسال الرسل، وإنزال الكتب، أو بالعقبى كخسر الأجساد، ورد الأرواح إليها، وما يتبعه من الثواب والعقاب، ولإفادة الأحكام الشرعيَّة المتعلقة بأفعالهم، وذلك لأن الإنسان مخلوقٌ لمعرفة الباري تعالى وعبادته، ومكلف بهما ليسعد في معاشه ومعاده، ثُمَّ إن المعرفة لا تتم إلا بمقدمَات نظريَّة مستندة إلى قضايا ضروريَّة يتوصل بها إلى المطالب، والعبادة لا تتحصَّل إلا لمعرفة الأحكام المستندة إلى دلالتها، والإنسان الواحد لا يستند بتحصيل هذه المعارف المتعلقة بالمخلوقين، بل يحتاج فيها إلى معنى له من نوعه يساعده على تحصيل مرامه، ولا تتصور هذه المساعدة إلا بالإفهام، (و) ذلك الإفهام (هو ممكن بالإشارة) كغموم الحاجب وحركة اليد، (والمثال) وهو الجرم الموضوع على شكل الشيء، (لكن اللفظ أولى به) أي بالتعبير لكثرة فائدته، (لأنه أعم منهما) من حيث أنه يمكن التعبير به عن الذَّات، والمعنى والموجود والمعدوم والحاضر والغائبُ والحادث والقديم كالباري سبحانه، ولا يمكن الإشارة إلى المعنى، ولا إلى الغائب والمعدوم، ولا يمكن أيضاً وضع مثال لدقائق المعلوم ولا للباري سبحانه وتعالى وغير ذلك ذكره الأسنوي، (و) لأنه (أسهل) منهما أيضاً؛ لأن التصور إنما يتولد من كيفية مخصوصة في إخراج النقش وذلك أمر ضروري، فصرف ذلك الأمر الضروري إلى وجهٍ ينتفع به انتفاعاً كلياً أولى من تكليف طريق آخر، فقد يشق على الإنسان الإتيان به.