الدراري المضيئة الموصلة إلى الفصول اللؤلؤية،

صلاح بن أحمد المؤيدي (المتوفى: 1044 هـ)

فصل: في بيان سبب الوضع وبيان الواضع

صفحة 188 - الجزء 1

  واعلم أن الكتابة من جملة الطرق أيضاً، فلا يصح أن يريدها المصنف بقوله: والمثال؛ لأن تعليله بالعموم يبطله؛ لأن كل ما صح التعبير عنه أمكن كتابته، لا يكون اللفظ أعم منها، فاعرف ذلك، واللفظ أيضاً أولى منهما لنشوه وقت عروض الحاجة وانقضائه بانقضائها بخلاف الكتابة؛ لاحتياجها إلى أدوات يتعسر حضورها في جميع الأوقات، وبقائها مع انقضاء الحاجة، وربما يطلع على المراد من لا يراد إطلاعه عليه، ولما كان الغرض من إقدار الله سبحانه لعباده على اللفظ هو التعريف للمعاني (و) كانت (دلالته) أي اللفظ (على مسمى دون مسمى) أي معنى دون معنى آخر (مع استواء النسبة إليهما) أي المعنيين (ممتنعه) إذ يكون تحكماً (فلا بد من مخصص له) أي اللفظ (بأحدهما) أي أحد المسميين دون الآخر.

  (والمخصص) لا يخلو من أحد أمرين (إما) أن يكون (الذات وهو باطل؛ إذ ليس بينه) أي اللفظ (وبين مدلوله مناسبة ذاتية) تقتضي اختصاص ذلك اللفظ به (خلافاً لعباد) بن سليمان الصيمري وبعض المعتزلة حيث زعم أن بين اللفظ وبين مدلوله مناسبة ذاتيَّة تقتضي اختصاص دلالَة ذلك اللفظ على ذلك المعنى، وكلامه باطل، لأنه يصح وضع كل لفظٍ لكل معنَى حتَّى ليقتض ما قد وضع له وضده، فإنَّه لو فرض ذلك لم يلزم منه محال لذاته، بل ذلك معلوم الوقوع كالقرء للطَّهر والحيض وهما يقتضيان، والجون للأسود والأبيض وهما ضدان، ولو كانت الدلالة لمناسبة ذاتية لما كان كذلك، وتقريره أن دلالة الألفاظ على معانيها لو كانت لمناسبة ذاتية بينهما لما صح وضع اللفظ الدال على الشيء بالمناسبة الذاتية لنقيض ذلك الشيء أو ضده؛ لأنا وضعناه لمجرّد النقض والضد، لما كان له في ذلك الاصطلاح دلالة على ذلك الشيء، فيلزم تخلف ما بالذات وهو محال، ولو وضعناه لذلك الشيء ونقيضه أوضده يدل عليهما لزم اختلاف ما بالذات بأن يناسب اللفظ بالذات الشيء ونقيضه أو ضده وهما مختلفان.

  قالوا: لو تساوَت الألفاظ بحسب ذواتها لم تختص الألفاظ بالمعاني في الدلالة؛ إذ لو كان لها اختصاص: فإمَّا أن يكون هناك تخصيص أو لا، فعلى الثاني يلزم الاختصاص بدون مخصصٍ، وعلى الأول التخصيص بلا مخصص، وكلاهما محالان.

  قلنا: نختار التخصيص ولا نسلم أنه بدون مخصص؛ لأن المخصص لا ينحصر في المناسبة، وإرادة الواضع المختار يصلح مخصصاً من غير انضمام داعية إليها؛ لتخصيص بعض الألفاظ ببعض المعاني،